ليلة القدر” في المغرب
ما بيت الروحاني والاحتفالي
بوشتاوي إدريس
يحتفل المغاربة كل سنة بليلة القدر بكثير من التقدير والتبجيل، اعتبارا لقدسيتها، وذلك في العشر الأيام الوترية الأواخر من الشهر رمضان الكريم، وتكون بعد غروب شمس يوم 26 منه التي تصادف ليلة 27.
خلال هاته الاحتفالات التي تمر في جو بهيج ورباي رائعين قل نظيرهما، بحيث يتسم بطقوس منسجمة ومتناغمة فيما بين ما هو ديني روحاني وما هو احتفالي موروث عن السلف الصالح ولا يتنافى مع مقومات ديننا الحنيف.
ليلة القدر أنزل فيها القرآن، وهي خير من ألف شهر ويفرق فيها كل أمر حكيم. وعلى هذا الأساس ففي هذه الليلة تبلغ طقوس الصلاة والعبادة أوجها واقصى درجات الاعتكاف.
بمناسبة هذه الليلة المباركة تستقبل المساجد أفواج المصلين الذين حجوا إليها من كل فج عميق، وقد لبسوا وتزينوا وتعطروا بأحسن ما لديهم. من قبل هذا الاستقبال تكون بيوت الرحمان قد نظفت وبخرت بأجود أنواع البخور من “العود” و”الند” في جو رهيب من الذكر تقشعر له الأبدان من شدة ربانيته وقدسيته.
إضافة الى ذلك، يتم استدعاء أئمة لإحياء هاته الليلة المميزة، اشتهروا بأصواتهم الرخمة والجميلة حتى تصدح حناجرهم في تلاوة القرآن في أرجاء بيوت الله، وفضاءات خارجها عبر مكبر للصوت وقد امتلأت بحشود غفيرة من المصلين مرتادين ملابسهم التقليدية الأنيقة والمعطرة، ومصحوبين بأبنائهم وأحفادهم. ويستمر الأمر على هذا الحال، بين قراءة القرآن والأدعية الى ما بعد صلاة الفجر بحيث يعود المصلين الى بيوتهم بنفوس مطمئنة.
كما تحرص الاسر المغربية على اعداد وتزويد المساجد بأطباق شهية يجود بها المطبخ المغربي الأصيل والغني وبالمشاريب لإطعام المصلين. وهي كذلك فرصة للتصدق واطعام المساكين وإدخال الفرحة على الأيتام والأرامل، تطبيقا لروح الصيام من التضامن والتآزر الاجتماعي المعهود لدى المغاربة.
فيما يتم تنظيم أمسيات للأمداح النبوية والسماع الصوفي بقاعات المسارح ودور الثقافة، والجمعيات … الخ، في جو روحاني مؤثر، تخصص لمدح خير البرية.
وفي نفس الموضوع، تحتفل الأسر المغربية في هذا اليوم بالصيام الأول لأبنائها الصغار لتحبيبهم وتشجيعهم للمتمسك بهذا الركن الإسلامي، بعد أن يحضوا بوجبة فطور استثنائه أعدت خصيصا لهم بهذه المناسبة الفضيلة، ويتم الاستدعاء لها أفراد من العائلة. وبعد الإفطار يجود الكبار على الصائم الصغير بمبالغ مالية تدخل عليه الفرحة والسرور.
كم يتم الاحتفال بهم بارتداء أزياء وحلي تقليدية مغربية أصيلة، تم تجهيزها خصيصا لهم، كل حسب جنسه، للإناث وللذكور كل على حدى، تكلل بحفل الحناء، يتم بعدها تخليد ذلك بالتقاط صور تذكارية إما في المنازل أو عند المصور فوق “العمّارية“ بالنسبة للفتيات، أو فوق “الفرس العربي” بالنسبة للفتيان، حتى يترسخ هذا الموروث الديني والاحتفالي في الذاكرة الخصبة لهذا النشء المبارك ومن خلاله عبر الأجيال القادمة.
وحتى لا ننسى صلة الرحم التي لها نصيبها في مثل هاته الاحتفالات، تتبادل العائلات المغربية الزيارات بعد صلاة التراويح، يكون فيها بيت الأجداد هو المحور، وقد ارتدى كل واحد اللباس التقليدي، وبخرت البيوت بالعطور والبخور.
كانت تلك صورة مقتضبة تقريبي للأجواء الاحتفالية بليلية القدر لدينا نحن المغاربة توارثناها عن جد لأن عبر الزمان والمكان، وكل عام وأنتم بألف خير.