أرضية اليوم الدراسي الخاص بتخليد اليوم العالمي للمرأة بالعمالة القنيطرةحول موضوع:”مدونة الأسرة ومداخل تحقيق المساواة”
يشكل تخليد اليوم العالمي للمرأة، مناسبة سنوية لفتح النقاش المجتمعي حول قضايا النساء ومستويات تمكينهن المجتمعي في مختلف المجالات. وهي مناسبة أيضا لتقييم السياسات العمومية الموجهة لإدماج المرأة والقضاء على جميع أشكال التمييز ضدها، وقياس مدى فعلية تمتع النساء بحقوقهن كاملة، ومدى فعالية النصوص القانونية في إحداث تغييرات في الثقافة المجتمعية، التي يمكن أن تشكل حاجزا أمام الولوج السلس للمرأة في جميع الميادين.
إن حضور المرأة في الفضاء العام وضمن الانشغالات الوطنية، لم يكن وليد لحظة عابرة، أو رغبة في تأثيث المشهد وتأنيثه، بل هو إيمان المرأة بدورها في الانخراط في الانشغالات الوطنية، حين بصمت المرأة المغربية على مشاركة متميزة في مسيرة التحرير والنضال ضد المستعمر، ورسمت بطولات في المقاومة والعطاء في سبيل الدفاع عن المصالح العليا للوطن، وصل إلى درجة بذل الروح فداء للوطن.
ومنذ دخول المملكة العهد الدستوري، ستتضمن الوثائق الدستورية المتعاقبة مجموعة من الحقوق والحريات للنساء، وقد عرفت هذه الحقوق مسارا طويلا من التحديث والتجديد، كما شكل دستور المملكة لسنة 2011، محطة فارقة في مسيرة تدعيم حقوق المرأة والنهوض بمكانتها، بالنظر إلى ما تضمنه من مقتضيات نوعية توخت توسيع نطاق حقوق النساء في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، إضافة إلى التنصيص على اتخاذ الإجراءات والتدابير التي من شأنها تشجيع ولوج النساء للوظائف العامة والانتخابية، والسعي نحو تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء.
وجدير بالذكر أن تتبع انخراط المملكة في المسار الاتفاقي، سواء بالتصديق على المواثيق الدولية التي لها علاقة بقضايا النساء أو رفع التحفظات بشأنها، يؤكد حضور حقوق المرأة ضمن التوجهات الاستراتيجية للمملكة المغربية، خاصة لما تحظى به قضايا النساء من اهتمام بالغ الأهمية لدى صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، والذي دعا في مجموعة من الخطب الملكية السامية إلى مراجعة القوانين التي تهم النساء، وجعلها في خدمة التمكين السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للمرأة.
وتأكيدا على العناية الملكية الموصولة بقضايا المرأة، تضمنت الرسالة الملكية الموجهة للمشاركات والمشاركين في أشغال الندوة الوطنية التي نظمها مجلسا البرلمان، بمناسبة الذكرى الستين لإحداثه، توجيهات قوية وواضحة من أجل السمو بالعمل البرلماني، عن طريق رفع مجموعة من التحديات من بينها تعزيز ولوج النساء بشكل أكبر إلى المؤسسات التمثيلية.
ومن دون شك، فإن الدراسة المتفحصة لمختلف مراحل تطور حقوق النساء في المغرب، تجعلنا نفتخر بالمستوى المتقدم المحرز في هذا الباب، والذي تترجمه بشكل جلي المراجعات الدستورية المتوالية، وما تضمنته التشريعات الوطنية، والتي خضعت لمجهود متواصل من التغيير والتتميم، وهو ما يعكس إرادة مجتمعية قوية تسعى لتمتيع المرأة بحقوقها كاملة، بما يتلاءم والرصيد القيمي المجتمعي الذي يولي للمرأة التقدير ويحيطها بمكانتها المجتمعية التي تستحقها، وهو ما يفرض اتباع الأساليب التربوية لتعزيز قيم المساواة والمناصفة بين أفراد المجتمع، وتصحيح الأفكار أو الممارسات التي قد توهن أو تنقص من استفادة النساء من حقوقهن كاملة.
ورغم هذا المجهود المعتبر في مجال النهوض بحقوق المرأة وتحقيق المناصفة بين الرجال والنساء، فإن طريق بلوغ مبدأ المناصفة لا زال يستلزم مواصلة المجهودات، بتوفير الشروط القانونية والمجتمعية الكفيلة بضمان تكافؤ الفرص بين الرجال والنساء، خاصة من خلال المدخل القانوني والتربوي.
إن تخليد مجلس النواب لليوم العالمي للمرأة لهذه السنة، يأتي في سياق مجتمعي ووطني خاص، يطبعه فتح النقاش العمومي والمجتمعي حول مدونة الأسرة، والتي ترتبط ارتباطا وثيقا مع حقوق جميع أفراد الأسرة، بما فيها تلك المتعلقة بالنساء، خاصة بعد إخضاع مدونة الأسرة لعشرين سنة من الممارسة والتطبيق، حيث ستبرز الحاجة المجتمعية الملحة لمراجعتها، بعد أن اعترى تطبيقها مجموعة من الاختلالات والصعوبات.
وقد عبر جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده في خطابه السامي بمناسبة حلول الذكرى 23 لعيد العرش المجيد، عن مظاهر قصور المدونة في بلوغ أهدافها، بما يلي: “وإذا كانت مدونة الأسرة قد شكلت قفزة إلى الأمام، فإنها أصبحت غير كافية؛ لأن التجربة أبانت أن هناك عدة عوائق، تقف أمام استكمال هذه المسيرة، وتحول دون تحقيق أهدافها. ومن بينها عدم تطبيقها الصحيح، لأسباب سوسيولوجية متعددة، لاسيما أن فئة من الموظفين ورجال العدالة، مازالوا يعتقدون أن هذه المدونة خاصة بالنساء. … لذا، نشدد على ضرورة التزام الجميع، بالتطبيق الصحيح والكامل، لمقتضياتها القانونية. كما يتعين تجاوز الاختلالات والسلبيات، التي أبانت عنها التجربة، ومراجعة بعض البنود ، التي تم الانحراف بها عن أهدافها ، إذا اقتضى الحال ذلك”.
وفي هذا الصدد، تبقى التجربة المغربية متفردة في التعاطي مع موضوع المرأة من خلال مدونة الأسرة، فإذا كان جلالة الملك محمد السادس نصره الله قد قاد بحكمته المعهودة، مشروع إصلاح مدونة الأحوال الشخصية سنة 2003، فإن جلالته أكد من جديد على ضرورة فتح نقاش مجتمعي هادئ ورصين، حول مداخل إصلاح مدونة الأسرة، خاصة مع ما اتسم به تطبيقها من اختلالات وتأويلات خاطئة، جعلها تزيغ عن الأهداف التي وضعت من أجلها، مما أصبحت معه حقوق النساء عرضة للانتهاك، ولهذا أعلن أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس في الرسالة الملكية السامية، الموجهة للسيد رئيس الحكومة بتاريخ 26 شتنبر 2023، على إسناد مهمة قيادة عملية التعديل بشكل جماعي ومشترك، لكل من وزارة العدل، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئاسة النيابة العامة.
وفي نفس الإطار، دعا جلالة الملك هذه المؤسسات لأن تشرك بشكل وثيق في هذه العملية الهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة، وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة.وفي هذا الخصوص، يشيد مجلس النواب عاليا بالمبادرة الملكية السامية، وبالمقاربة المنهجية غير المسبوقة التي أعلن عنها جلالته لتعديل ومراجعة مدونة الأسرة.كما يثمن مجلس النواب الأدوار الهامة التي قامت بها الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، والتي حرصت على الاستماع لجميع الأطراف المعنية، وتلقي المذكرات والمقترحات التي تعكس التنوع والتعددية التي تميز المجتمع المغربي في إطار الثوابت الجامعة للأمة.
وانخراطا من مجلس النواب في تنفيذ التوجيهات الملكية السامية والتجاوب مع المتطلبات المجتمعية، بادر مكتب مجلس النواب، وفي إطار ما يتيحه نظامه الداخلي، إلى إحداث مجموعة عمل موضوعاتية مؤقتة حول المساواة والمناصفة، والتي ستعمل على إعداد تقرير في الموضوع طبقا لمقتضيات النظام الداخلي للمجلس.
وتفعيلا لخطة عمل مجموعة العمل الموضوعاتية المؤقتة حول المساواة والمناصفة، وتخليدا لليوم العالمي للمرأة والذي يصادف الثامن من مارس من كل سنة، اختارت مجموعة العمل الموضوعاتية أن تخصص هذا اليوم الدراسي لموضوع مدونة الأسرة لما له من أهمية وراهنية، مساهمة منها في إثراء النقاش حول مداخل تحقيق المساواة والمناصفة، وذلك بمشاركة جميع الفرق والمجموعة النيابية بمجلس النواب.