محسن الأكرمين.
لما نكيل لمكناس كل صفات العوز والتقزيم، ولا نخجل من أنفسنا بالمساءلة؟ لما نعاقب المدينة بما فعل (السفهاء) منّا؟ لما لا نعترف بالثغرات والنقائص بكل موضوعية ونبحت عن حلول التمكين؟ لما يبقى اشتغال نخب معينة ومتنوعة بمكناس على مواضيع وفق مستحثات الفشل وردة الفعل الموسمية؟.
في الآونة الأخيرة كثرت اللاءات وما الناهية للمكناس، وأدوات النفي غير الفاعلة لا نحويا ولا إصلاحيا (ما…) و(ليس…) و(لا…)، كثر التباكي والوقوف عند الأطلال والمشاهد الدراماتيكية. قاعدة تراكمية، ففي مكناس يغيب الترافع وقيادة التغيير والتخطيط، كثرت ردّة الأفعال الموسمية والعاطفية و(قفا نبك…)، وترميزها أخيرا بصور لتأثيث الخلفي. من صدق القول: أننا بمكناس بتنا نغني ونزقزق في وادي غير ذي ماء وزرع. من صدق القول: أن غياب رؤية التخطيط كانت من بين الموجهات الأصيلة في التطويح بالمدينة من ميزان التنمية الفوقي. من صدق النتائج أن (المكناسي) يتعايش ويتصالح مع وضعه (الذاتي و مع الآخر) مهما كان خندق الاختلاف موحلا.
قد نعترف بنسب غير قارة أن البنيات التحتية بالمدينة قد تحسنت شيئا ما، قد لا نقول: أن الهيكلة كانت بالجودة التامة وبتنقيط (إيزو/ ISO )، قد لا نخلي ذمتنا جميعا ونقول: أن مكناس تعيش تأخرا زمنيا يساوي عقدين عن مدن الحظوة. قد نعترف أن كثلة النقائص والانتظارات تفوق بكثير عمّا تم تحقيق على الأرض.
نعم، هي نقائص تظهر عند التشخيص وتغيب عند الحلول الإجرائية، هي اختلالات كثيرة في المجالات الاجتماعية مرتبة في الأرض والإنسان، هي ثغرات ماضية وغيرها آتية لا زالت حاضرة وتحرج كل مسؤولين بالمدينة من جهة الهشاشة والفوارق الاجتماعية. تحرج النموذج التنموي بالمدينة غير المنصف ولا العادل. فيما مضى كنا نتحدث عن تلك الفوارق المحلية بين أجزاء المدينة، اليوم بتنا نعيش تمييزا آخر جهويا، باتت مكناس تقبل بالفتات الجهوي من المشاريع وهي راضية مرضية.
إنه الإقصاء غير المتحكم فيه في الشق الاجتماعي لحد بداية زمن الانتخابات. إنها الأعطاب المتتالية والتي لا تقبل تنمية الإصلاحات و(البريكولاج)، بل تبحث عن مبادرات جريئة وجديدة تشتغل على المدينة والساكنة. لن نزيد التشخيص عن (مكناس الكبرى) تضخيم المشاكل، وبنفس اللحظة لن نكتفي بصور الترافع والمطالب غير الممأسسة. اليوم نريد عملا مؤسساتي يحترم القانوني ويفعله، عملا موازيا يفعل فصول الدستور في الترافع ورفع التظلمات عبر القنوات القانونية.
حقيقة أننا بمكناس نشتغل على الأزمات بدل الاشتغال على الإبداع و ابتكار بدائل التمكين. حقيقة لا مغيب عنها أن مكناس يمتلك خاصية النسيان السريع ولنا سند في قضايا متنوعة. اليوم لما لا نطلق حوارا مدنيا محليا، حوارا يغيب الاختلافات والتوجهات السياسية والفكرية والثقافية، حوارا يجتمع عليه قوم مكناس ليس على التشخيص وذكر الفجوات والثغرات و تعداد الأوضاع المزرية، وإنما هو حوار من أجل مدينة وساكنة وحلم مستقبل، حوار يكسر جمود تنمية مدينة، حوار يغيب الأنانية والتفاضلية والتصنيفات القديمة.
نعم نبحث عن حوار بنائي لاستعادة الثقة عند الساكنة والمدينة، حوار يوازن حق الساكنة في مواطنة كريمة عادلة ومنصفة، حوار مديني على أساس” ألا مجال للمدينة في انتظار أن كل شيء يأتي من الدولة”، حوار لبناء مشروع مدينة وفق خطة إستراتيجية “التنمية التفاعلية”.
يكفي مكناس مضيعة من الزمن التنموي في أخد صور المطالب والاعتراضات، يكفي مكناس استعمال أدواة النفي من (ما/ لا/ ليس…). اليوم وليس غدا لنبحث عن مكناس الجديد (حوار مديني داخلي) يقترح البدائل التنموية بكل واقعية وبساطة.