الكلمة الافتتاحية للسيد عبد الرحيم شهيد حول “تحديات ملاءمة المنظومة التشريعية مع مقتضيات القانون التنظيمي حول مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية”
محمد مرابط
اليوم الدراسي حول: “تحديات ملاءمة المنظومة التشريعية مع مقتضيات القانون التنظيمي حول مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية”
الثلاثاء 26 يوليوز 2022 السيد رئيس الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة – أزطا أمازيغ ؛ السيدات المشاركات، السادة المشاركين ؛ رئيس الفريق الاشتراكي الحضور الكريم ؛ السيدات النائبات، السادة النواب ؛ اسمحوا لي في البداية أن أرحب بكل المشاركات والمشاركين في هذا اللقاء الدراسي الذي ينظمه الفريق الاشتراكي بمجلس النواب بتعاون مع الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة – أزطا أمازيغ – حول “تحديات ملاءمة المنظومة التشريعية مع مقتضيات القانون التنظيمي حول مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية”.
وهو اللقاء الذي يشكل فرصة هامة بالنسبة إلينا، كفاعلين سياسيين وبرلمانيين ومدنيين، لكونه سيمكننا من الوقوف على مدى الجمود أو التطور الذي يشهده تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في بلادنا. ومن شأن النقاش الذي نخوض فيه اليوم، والمخرجات التي ستتمخض عنه، أن يرفع من أدائنا التشريعي والرقابي المتعلق بالأمازيغية، وأن يعزز عملنا البرلماني فيما يتعلق بتقييم مختلف السياسات العمومية الرامية إلى تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية. وسنظل حريصين، في الفريق الاشتراكي، منفتحين على مكونات المجتمع المدني في مختلف القضايا الوطنية، ومن بينها تعزيز موقع الأمازيغية في الحياة العامة، والترافع عن الحقوق السياسية والثقافية والأفق الديمقراطي الحداثي، ومواكبة مختلف المبادرات التي تقوم بها الحركة الأمازيغية في هذا الاتجاه. لقد عرفت بلادنا، منذ إقرار دستور 2011، تطورات مهمة على الصعيد السياسي والمجتمعي والثقافي من خلال ترسيخ المبادئ المتعلقة بتطوير البناء الديمقراطي والانفتاح الثقافي، وتكريس الأبعاد المتعددة للهوية الثقافية المغربية. وفي هذا الصدد، نصت المقتضيات الواردة في الفصل الخامس من الدستور على أن الأمازيغية لغة رسمية للدولة ورصيد مشترك لكل المغاربة بدون استثناء.
كما نصت على ضرورة تحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجالات التعليم والحياة العامة ذات الأولوية، وذلك بهدف تعزيز البعد الوظيفي للغة الأمازيغية كلغة رسمية.
وقد كان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كفاعل تاريخي ديمقراطي في الحياة السياسية والثقافية، من المبادرين إلى فتح النقاش العمومي حول النهوض بالثقافة الوطنية، والإدماج المؤسساتي للمنظومة الأمازيغية، والتدبير العقلاني للتنوع الثقافي والتعدد اللغوي. وكان أيضا من الداعمين لمطالب الحركة الأمازيغية المتعلقة بترسيخ الثقافة واللغة الأمازيغيتين في مختلف أبعادهما: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
كما أننا، كاشتراكيين ديمقراطيين، كنا وما زلنا من أنصار المقاربة التشاركية لوضع مختلف الآليات التشريعية والتنظيمية والمؤسساتية الضرورية لتعزيز موقع المنظومة الأمازيغية في حياتنا المجتمعية.
وهو ما يجعلنا ننبه باستمرار إلى عدم التراخي وتجنب هدر الزمن السياسي والعمومي في تفعيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بالأمازيغية لإقرار العدالة اللغوية والثقافية واعتماد السياسات العمومية اللازمة لتكريس المساواة بين الأمازيغية والعربية في الحياة المؤسساتية ومختلف المرافق العمومية.
فمع كامل الأسف، لم نتمكن، منذ سنة 2011، من تسريع تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وترصيد المكتسبات المحققة على الصعيدين الحقوقي والثقافي نتيجة تصاعد المد المحافظ ذي التوجهات الرجعية والمنغلقة.
ولم نتمكن إلى الآن، للأسف، من بلورة سياسة استراتيجية مندمجة ومتكاملة قادرة على وضع الثقافة واللغة الأمازيغيتين في الإطار المؤسساتي اللائق بهما.
ولذلك، من الضروري القطع بشكل نهائي مع السلوكات السابقة في مقاربة القضية الأمازيغية، واعتماد منهجية جديدة أساسها صيانة المكتسبات الحقوقية والثقافية، وتسريع تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية.
ولن يتم ذلك إلا من خلال بنية تشريعية متكاملة، وإطار مؤسساتي قادر على إحداث التغيير المنشود.
أيتها السيدات، أيها السادة
إن التحديات التنموية المطروحة على بلادنا تقتضي من جميع المغاربة المساهمة في تطوير البناء الديمقراطي وتحديث النسق المجتمعي، وهو ما يتطلب تحقيق منعطف تاريخي نوعي في التعاطي مع القضايا ذات الأولوية بالنسبة للأمازيغية.
فلا بد من تسريع وتيرة تعميم تدريس الأمازيغية على كل أسلاك منظومة التربية والتكوين، وإدماجها كليا في مجالات الثقافة والإعلام والعدالة وجميع قطاعات الحياة العامة، وتوفير الموارد البشرية والتقنية لتعزيز موقعها في المجتمع. بالفعل، يتطلب تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية الموارد المالية اللازمة، لكن الأهم بالإضافة إلى رصد الميزانيات الضرورية، هو توفر الإرادة الحكومية الواضحة في تحقيق التحول الذي ننشده جميعا.
الإرادة الحكومية التي تبرزها مخططات العمل الناجعة والخاضعة لبرمجة زمنية دقيقة ولتقييم موضوعي منتظم من أجل تدارك الاختلالات والارتقاء بالأداء العمومي المتعلق بالتدبير الثقافي المسؤول.
الإرادة الحكومية التي تترجمها إجراءات حقيقية لضمان التفعيل الأنجع لمقتضيات القانونين التنظيميين الخاصين بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية. الإرادة الحكومية التي يعكسها الانفتاح على العمل الجماعي المشترك وعلى التعاون الوثيق مع مكونات المجتمع المدني الأمازيغي من أجل ضمان الانخراط الأوسع والتعبئة الوطنية الشاملة. ولذلك، نعتبر أن النهوض بأوضاع الأمازيغية هو من صميم النهوض بوضعية ثقافتنا الوطنية، وأن العدالة اللغوية والثقافية جزء لا يتجزأ من العدالة الاجتماعية والمجالية.
فالاستثمار في الثقافة واللغة لأمازيغيتين هو استثمار من أجل مجتمع ديمقراطي حداثي تسوده مبادئ الحرية والمساواة والتضامن، وتعمه قيم التعايش والتسامح والاختلاف.
إنه الاستثمار من أجل مغرب أفضل، مغرب يتسع للجميع.