كلمة السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بمناسبة ندوة الاتحاد الدولي للمحامين حول : “مكافحة غسيل الأموال الرهانات والتحديات”
**طنجة 3-4 ماي 2024
*بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وعلى آله وصحبه حضرات السيدات والسادة؛هذه أول مناسبة عامة، تتاح لي بعد تجديد مكاتب الهيآت المهنية للمحامين وانتخاب مكتب جمعية هيآت المحامين بالمغرب، ولذلك يسعدني ان أجدد التهاني للسيد رئيس الجمعية وكافة أعضائها، وللسادة نقباء هيئات المحامين لدى محاكم الاستئناف وأعضائها، وأتمنى لهم جميعاً النجاح في مهامهم، راجياً أن يتوفقوا في تحقيق آمال السيدات والسادة المحامين في دعم استقلال مهنة المحاماة والحفاظ لها على إشعاعها الفكري وشموخها المهني، ونبلها وشرفها التاريخي.
كما يسعدني أن أشكر الاتحاد الدولي للمحامين وهيأة المحامين بطنجة وجمعية هيئات المحامين بالمغرب على الدعوى الكريمة التي وجهت لي للمشاركة في هذه الندوة الدولية المتميزة بحضورها الوازن، وبالقامات القانونية المشاركة في أعمالها، وبراهنية الموضوع الذي تتناوله.
حضرات السيدات والسادة؛يكتسي موضوع هذه الندوة أهمية بالغة بالنسبة للأمن الاقتصادي في العالم، لما يمثله غسل الأموال من تهديد للدورة الاقتصادية والتنافس الحر، ولما له من تأثير على قيمة العملة وإنتاج التضخم.
كما أن موضوع مكافحة غسل الأموال أصبح في قلب التحديات والتحولات الاقتصادية والتكنولوجية الكبرى المرتبطة بالجريمة المنظمة عموماً وبتمويل الإرهاب على الخصوص.
كما أن الموضوع أصبح من جهة أخرى يسائل مهنة المحاماة ويدعوها إلى استحضار أسبابه وآثاره، وتدارس القوانين المتعلقة به، ذلك أن المحامي يعتبر من جهة، من بين الأشخاص الخاضعين لمقتضيات القانون 43.05 المتعلق بغسل الأموال، مما يضع أعضاء هيئات الدفاع في الصف الأمامي لمنظومة اليقظة والمراقبة الداخلية.
ويضع على عاتقهم التزاماً أخلاقياً ومهنياً ببذل العناية اللازمة في تحديد وتقييم المخاطر المرتبطة بمعاملات عملائهم.
ومن جهة أخرى فالمحامي يعتبر حلقة أساسية في المحاكمة العادلة.
وتحت هذا الغطاء المزدوج يجد المحامي نفسه أمام مفترق طرق من المخاطر والتحديات المهنية، تلزمه بتسليح نفسه بالمعرفة القوية والفهم العميق للمقتضيات التشريعية والتنظيمية لموضوعٍ بالغ التعقيد، قوي التأثير على الاقتصادات، وشديد الارتباط بأمن الأمم.
ولذلك فإن هذا الموضوع يحظى باهتمام المجلس الأعلى للسلطة القضائية، الذي انخرط في المنظومة الوطنية لمكافحة الفساد، التي التزمت بها السلطات الوطنية بتوجيهات ملكية سامية وتحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك نصره الله، وفي هذا الإطار أحدث المجلس خلال الأشهر السابقة بنية متخصصة في تتبع قضايا غسل الأموال تابعة لقطب القضاء الجنائي، من أجل:
• تحقيق تواصل أفضل مع العمل القضائي للمحاكم، من خلال تتبع نشاطها في قضايا غسل الأموال وتنفيذ برامج النجاعة القضائية ذات الصلة بهذا النوع من الجرائم؛
• وتحقيق الأمن القضائي ومراقبة الالتزام بمعايير المحاكمة العادلة من خلال المساهمة في جمع ونشر الاجتهاد القضائي والمعلومة القانونية وتوفير التكوين المستمر وإعداد الدلائل العملية؛
• بالإضافة إلى تخليق المنظومة القضائية وتعزيز النجاعة القضائية عن طريق احترام البت في القضايا في الأجل المعقول، وتسريع تنفيذ الأحكام.
ولئن كان من السابق لأوانه الحديث عن حصيلة التنزيل الشامل لاختصاصات المجلس الأعلى للسلطة القضائية في مجال تتبع النشاط القضائي لغرف غسل الأموال، إلا أنه بالرجوع لإحصائيات القضايا المحكومة خلال الربع الأول من السنة الجارية والتي بلغت 114 مقرراً قضائيا في الموضوع، فإننا نسجل بارتياح، التطور الإيجابي الذي عرفه متوسط أجل البت في هذا النوع من القضايا التي تتميز بالتعقيد، واتساع مجال الاختصاص الترابي، حيث إن 75% من المقررات الصادرة عن الهيئات الابتدائية صدرت داخل الآجال الاسترشادية كما حددها قرار المجلس الأعلى للسلطة القضائية في 180 يوما كأجل بت في القضايا الابتدائية و120 يوما في القضايا الاستئنافية. ولاشك أن المحاكم المعنية بالموضوع ستعمل على تطوير أدائها في إطار احترام حقوق الدفاع وشروط المحاكمة العادلة.
حضرات السيدات والسادة؛لاشك أن الجهود المشتركة، والتعاون المتواصل بين الهيئات القضائية وهيئات الدفاع، يظل هو السبيل الأنجع لتجاوز التحديات المستحدثة وغير المسبوقة، التي تحملها التقنيات الناشئة في مجال المعاملات المالية، كالعملات الافتراضية والمشفرة والطرق اللامركزية لتحويل الأموال وتخزينها.
وهو ما بات يفرض على مختلف أجهزة العدالة الجنائية، وفي مقدمتها القضاء والدفاع والشرطة القضائية، التسلح بما تتيحه التكنولوجية المبتكرة من وسائل البحث والتحري كتحليل البيانات المتقدمة وتقنيات الذكاء الاصطناعي لأجل مواكبة تعقد جريمة غسل الأموال، التي تتميز عادة بذكاء مركتبيها وسعة معارفهم وعمق اطلاعهم على الأنظمة الاقتصادية والإجراءات المصرفية، باعتبارهم في الغالب ممن يصطلح على تسميتهم بذوي الياقات البيضاء.ولعل هذا اللقاء سيكون فرصة قَيٍّمة لتَبادل الخبرات والممارسات الفضلى ذات الصلة بغسل الأموال.
وأرجو أن يتيح للمشاركين فيه من الممارسين في مجال القضاء والدفاع، ما يدعم تجربتهم المهنية ويطور معرفتهم بالموضوع.
ولأجل ذلك أجدد شكري للجهات المنظمة للندوة وأشكر كافة المشاركين في أشغالها، والحضور الكريم بهذه الجلسة الافتتاحية.والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.