زينة اقللوش
لقد كان يقول أنا ميت، أنا جسد بلا روح، لم يكن مريضا في ذلك الوقت، على الاقل المرض العضوي أما النفسي فلم يكن هناك شك ..، كما لا شك في مرض جميع الناس باستثناء من يدرك انه مريض ويحتاج الى التطهير من ثقل الماضي ونكساته.. وليس الى العلاج، لا أعرف كيف قضى فترة مرضه العضوي( سرطان الدماغ) الذي اصيب به فيما بعد ، أتمنى ان يكون قد أدرك أنه كان حيا بما يكفي ليكون سعيدا، وأن لا يندم على عدم ادراكه لهذا الامر ، وان تكون فترة احتضاره تجرية حياة جميلة…
يقال أن جميع الناس يموتون حين ينتهي دروهم في هذه الحياة، لكن لا أعرف لماذا أحس أن دوره لم ينتهي ، وانه ترك خلفه عملا لم ينجزه، وأنه كان يستطيع تحقيق قفزة كبيرة في الوعي بثقله الانساني، لقد كنت ادرك هذا قبل عشر سنوات لكني لم اكون في مرتبة الوعي الحالي ، حين توضع مسافة بيننا وبين الناس نكون اكثر ادركا لكلامهم ولأفعالهم واخطائهم واخطائنا…وأشياء كثيرة اخرى…الزمن يضع الأمور في نصابها وحتى لو رفضنا فكل الأمور مرت كما ينبغي لها …فتلك الاحداث والتفاعلات هي التي جعلت كل شخص في مكانه ومرتبته الحالية…
الآن اعتقد انه ترك عملا خلفه لم ينجزه، وغدا ان كان هناك غد قد ارتقي في الوعي وقد ادرك انه مات لأنه كان ينبغي له أن يموت ، ما جعلني اعتقد انه رحل قبل الأوان هو زيارته المتكررة لي في المنام وهو يقوم بمهنته المتمثلة في التعليم ، والغريب انه كان يحمل عصا يضرب بها في السبورة ليؤكد على ما كتبه، حتى في حياته كان يضربنا بالواقع، لا اعرف كيف يستطيع التحالف مع الواقع بجعلنا نعيش افكاره التي تعلمناه منه بطريقة قاسية ، لقد كان دائما يقول انا ميت لكنه كان يبدوا انه يسبق الحياة بخطوة ويقدم لنا افكار قدمتها لنا الحياة فيما بعد على شكل وقائع …، وهذا ما يجعله حيا اليوم في ذاكرتنا…
انه محظوظ جدا لأنه حي اليوم في ذاكرتي ، وقد يكون حيا في ذاكرة الكثير من الناس ، وصدقته الجارية أنه أنار طريقنا حين علمنا كيف نعيش الواقع ونفهمه..، وهذا افضل من الف كتاب فارغ المحتوى يضعه كاتب على الرفوف، نحن سعداء لأنه يمكننا مساعدة الاخرين بتجاربنا الانسانية حتى لو لم ندونها، ورغم اصرار من حولنا بالتدوين… فمجرد مرورنا على هذه الأرض يستحق عرسا أبديا…