آخر الأخبار

الشماعية مدينة العجائب و الغرائب

23 أبريل 2022
الشماعية مدينة العجائب و الغرائب

الشماعية مدينة العجائب و الغرائب

مصطفى فاكر


الشماعية مدينة أضحت تتسع و تولد و تكبر و تتمدد في كل الاتجاهات، تمد جدورها كشجرة فوق الأرض من كل ناحية… الأبنية و الجدران تتناسب و تتكاثر، ترفع هاماتها نحوعنان السماء في خيلاء.
حواشي المدينة ما فتئت تقضم تارة تحت جنح الليل طورا و طورا آخر تتآكل في بزوغ الشمس.
تبدو الشماعية كمدينة الأقزام بمشاريعها و سيرورتها التنموية، لكنها جيدة بمكارم سكانها، ثرية بأمجادها، بتراثها، بوداعتها،بصفاء جوها، بزحامها و زعيقها، غنية بمقاهيها،بمطاعمها بمتسوليها و مشرديها، ببائعيها المتجولين، و بشبابها العاطل، لكن بالمقابل تبدو الشماعية ضيقة صغيرة في عيون الكثير و الذين تطرق مسامعهم كل يوم حكايات حزينة عن بؤس مرافقها الصحية و عن شح وسائل نقلها العمومية، و نذرة في حدائقها و ارتفاع في منسوب ظواهر الإنحراف و إحتلال أملاكها العمومية و انعدام مراحيضها العمومية، و فوضى حركة السير و الجولان و اختناق شوارعها و ممراتها.
وسواء أكبرت المدينة أو صغرت فإن الواقع الذي نقطع بصحته هو أن كل شيء فيها تغير و أصبحت مدينة العجائب و الغرائب، مدينة التناقضات و المفارقات، مدينة تشرع ذراعيها للجميع لا تلفظ أحدا حتى أنها صارت كخلية نحل تسع الجميع و تموج حتى الثمالة بأصناف و نماذج بشرية المختلفة أطيافه و حسناتهم ولهجاتهم. منهم من يرفل في النعيم و منهم من يشكو شظف العيش و ضنكها. صحيح أن المدينة اكتسى وجهها علائم الإشراق و الرفاهية و البذخ، إلا أن جسمها تلفه ملامح البؤس و الحرمان و الوجع و الشقاء، مدينة تغص بالفوارق الإجتماعية و العمرانية، مدينة تغص بالعاطلين و السماسرة و المتسولين و المتمسكنين و المنحرفين. إن للمدينة طوايا و أسرار لا تفصح عنها إلا لمن لا مها زمنا طويلا.
في بعض الأحيان يعتري نفسي الملل فأشعر أن الشماعية أضيق من أن تحمل جسمي النحيف وذلك بسبب الزحمة و تدافع المناكب، و جلبة الابلة و صياح البائعين و صوت أبواق السيارات و عوادمها و حشرجاتها التي تملأ الأذان و تقبض الأنفس، حينئذ لا أجد مفرا من أن أتجافى عن كل ذلك فأفزع إما إلى دروب المدينة القديمة لأسري عن نفسي بجولة أو أشق الطريق نحو سبخة زيما لأنعم بجلسة وادعة و أعجب بفتنة المشاهد الساحرة على امتداد أحواضها خاصة إذا صفا الأفق.
مدينة الشماعية كما وصفها لي أحد أصدقائي كانت في الماضي جنة الله في أرضه:ملعب الكولف، الغابة المترامية الأطراف، الورود المنتشرة في الحدائق، الأشجار المصطفة في نظام بديع، المياه الرقراقة و العذبة من كل النبات، كل ما فيها يسكن النفس فتنتشي و تسمو العين في انشراح إلى كل ما يتراءى لها من هضاب و سماء و ماء، هنا يطوف البصر مشددا و يتطلع الفؤاد مأخوذا و تتيه النفس ذهولا.
أما الآن و العهدة على الراوي فكل ما في الشماعية ينفر و يعبس و حيثما وليت وجهك ينقلب إليك البصر خاسئا من فرط ما تعرفه من إهمال و تهميش و نكوص و جحود.

الاخبار العاجلة