بفعل الهجرة فرنسا بين انفصام الشخصية وفقدان الهوية
عبدالإله الوزاني التهامي
على امتداد جغرافية أوروبا خاصة والعالم عامة، تتوزع أعداد غفيرة من المهاجرين الوافدين من دول أفريقيا وآسيا وأمريكا اللآتينية، مشكلين جيلا جديدا من الساكنة ينضاف للأجيال الأصلية لكل بلد على حدة.لكن الذي تتخوف منه فئة عريضة من الباحثين وكذا مجموعات من الموصوفين بالعنصريين، أن تتضاعف الأعداد الوافدة وتشكل رقما طاغيا يفوق عدد الساكنة الأصلية.
وبالفعل فإن مرد تخوف بعض الجهات المتخصصة راجع إلى ما تشكله الهجرة غير المقننة وغير المحددة والشرعية أيضا، من خلل كبير وانعدام توازن في التركيبة الديمغرافية لمجموع الساكنة، فالنمو الديمغرافي في أي دولة يمكن ضبط تسارع أو تباطؤ وتيرة نمو مكوناته، سواء على المستوى العرقي أو الديني أو الجنسي -ذكور إناث-، ما لم يحدث انفلات كبير، كالذي حدث منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود الأخيرة، بشكل تصاعدي، بسبب ما يسمى بالهجرة غير الشرعية، التي شكل أفرادها رقما ضاغطا على سياسات الدول المستقبلة حتى جعلها -الدول- تسوي وضعية جل هؤلاء المهاجرين وتدمجهم في النسبج الاجتماعي والاقتصادي، إلى أن أصبح هذا الاندماج له مردود مادي اقتصادي كبير مغري، أسال لعاب السياسيين حيث لم يعودوا متحفظين من استقبال أي مهاجر كان، دون التفطن -سهوا أو عمدا- للآثار الأخرى الأكثر خطورة على المجتمع القومي وهويته وتاريخه.
من هنا نستحضر النموذج الفرنسي كدولة استقبلت الأعداد الكبيرة من المهاجرين الوافدين من إفريقيا والعالم العربي، والذين تم دمجهم وتجنيسهم بشكل متدرج، إلى أن شكلوا رقما كبيرا مقارنة بعدد المواطنين الفرنسيين الأصليين.فالتركيبة الديمغرافية للفرنسيين عرفت ميلانا كبيرا لصالح المهاجرين، وهذا لا يمكن التستر عليه، وما تفاعلات الساحة الشعبية في المواسم الانتخابية إلا المرآة العاكسة لحقيقة الوزن الكبير للعنصر المهاجر في تحديد وجهة السياسة الداخلية لدولة فرنسا، محليا وجهويا ومركزيا.
لهذا نرى مثلا الاجتياح الكبير للأفارقة والأجانب لتشكيلة المنتخب الفرنسي لكرة القدم، حيث تضعنا حالته أمام ظاهرة غريبة، قوامها أن المهاجر بإمكانه أن يكون حاكما وممثلا للساكنة وبرلمانيا ومهندسا وإعلاميا وفاعلا مدنيا وسياسيا، له جنسية فرنسية يتمتع بكل الحقوق مثله مثل باقي المواطنين، مثلما هو الشأن في دول أوروبية كثيرة وما فرنسا سوى النموذج الأمثل.لم نتحدث عن تأثر المهاجر بثقافة الدول المستقبلة، وانسلاخه أو محافظته على هويته الأولى لأن هذا يحتاج لمادة بحثية خاصة.
إن فرنسا تودع جيلها الذهبي مشخصا في العجزة والشيوخ الطاعنين في السن الذين هم بدورهم بقايا حروب شهدتها أوروبا، ولم يخلفوا من الخلف إلا القليل بمعدل 10 رجال أنجبوا في مجموعهم طفلا 1 واحدا، هو الذي يشكل الآن مجموع شريحة الشباب في فرنسا، لنكون أمام واقعا يسلم للأجنبي المهاجر في الحظوة الكبرى عدديا، فيما تبقى السلطة والقرار والتحكم في يد دهاقنة “الدولة العميقة” المتنفذة في دواليب الحكم، ليس فقط في فرنسا بل في كل دول أوروبا والعالم.