من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم…مدونة الأسرة المغربية على الْمِحَكِّ
بقلم الدكتور عبد الله صدقي
…حذارِ من أيِّ انزلاق يقود الأسرة إلى الهاوية … إيانا وغوغاء المهرجين من الرجال والنساء …
بعدما قطعت مدونة الأسرة لسنة 2011 شوطا متقدما في إصلاحها، جاء الخطاب الملكي 2023، ليفتح ورش المؤسسات الدستورية، سعيا خلف تعديل لمدونة الأسرة المغربية، يكون أهلا للرُّقي بالأسرة المغربية إلى المكانة التي تستحقها، حتى تضمن توازنا موضوعيا لحقوق المرأة والرجل معا، ومساواتهما أمام الشرع والقانون، في الحقوق والواجبات، مع مراعاة لمصلحة الأطفال، أملا في تحقيق مبدأ المناصفة، متمكنة من تجاوز الإكراهات والعوائق السوسيولوجية …
وقد أكد الخطاب الملكي أمريْن أساسييْن في هذا التعديل:ــ الأمر الأول: أن هذا الهدف لا يتوخى إعطاء المرأة امتيازات مجانية، بقدر ما يؤكد على إعطائها حقوقها، التي يسمح بها لها الشرع والقانون. (الشرع والقانون)ــ الأمر الثاني، أن هذا التعديل يجب أن يرتبط بالشرع والقانون معا. وتحيين الآليات والتشريعات الوطنية، التي يتأسس عليها الدستور المغربي. كذلك نبه الخطاب الملكي من بعض العوائق السوسيولوجية، التي كانت تحول بين تطبيق أهداف المدونة النبيلة، منها:أــ فئة من رجال العدالة يعتقدون أن هذه المدونة خاصة بالنساء.
وقد يرتبط ذلك في تقديرنا بغياب ثقافة قانونية لدى هذه الفئة من رجال العدالة، وضعف إدراكاتهم وتكوينهم، وغلبة الإيديولوجية الحزبية التي ينتمون إليها، كما نرى أهمية إدخال التكوين المستمر، حتى يؤهلهم، وهذا ليس عيبا، لأن التكوين المستمر موجود في جميع المجالات… ب ـ فئة من المواطنين ينهجون نهج الفئة السابقة، ويعتقدون أن المدون خاصة بالنساء. كما أننا نلاحظ في المجتمع المدني فئاتٍ أخرى، تخلط في أمر التعديل، انطلاقا من الأيديولوجية التي تتبناها، سواء كانت دينية متطرفة، أو فكرية تلك التي تقلد ما في البلدان الغربية من قوانين، وقد يرافقها التهريج والدعاية واللغط، بل منهم من ينشط، ويزج بنفسه في حرب وهمية ضد المناوئ الأيديولوجي.
إلى هؤلاء نقول: كفى تخلفا، فالمغرب قطع أشواطا في الإصلاحات، وحقق، ويحقق إنجازات ما تزال تبهر العالم… لا تَبْخَسوا ما حققه أبناؤنا، ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها. هناك المتخصصون الذين ارتضاهم الملك، وهناك مشاركون مؤهلون للخوض في هذا التعديل، الذي يخص هويتنا ومرجعيتنا وأصولنا وتاريخنا العريق … عودوا إلى الدستور المغربي من غير أن تتجاهلوه، ها كُم من بين ما جاء فيه:نص الدستور المغربي لعام 2011 في الفصل الأول، أن الأمة تستند في حياتها العامة على:ـ الثوابت الجامعة: الدين الإسلامي السمحـ الوحدة الوطنية متعددة الروافدـ الملكية الدستوريةـ الاختيار الديمقراطي
فاجتهاد المكلفين يفرض عليهم، أن يوسعوا دائرة الحوار مع المختصين من جميع المجالات، علماء الاجتماع، خبراء القانون، دكاترة العلوم الإنسانية، دكاترة الفقهاء، دكاترة علم النفس، ومجالات أخرى..أما أمر ارتباط التعديل بالدين، فالدين يدعو إلى أين تمت مصلحة المواطنين فتم شرع الله، على أساس أنْ لا يتناقض مع ما جاء في الدين الإسلامي، القرآن والسنة، ونحن نعلم أن الحكم الشرعي، كالوجوب والحرمة والإباحة… يفتح للمشرع أبواب الاجتهاد الذي لا يتناقض مع القرآن الكريم، إذ حتى الأحاديث التي تتناقض مع ما جاء في القرآن وجب التخلي عنها، حيث هناك ما يدعى بالمعيار القرآني، وقد طلب منا جميع رواد المذاهب الدينية السابقين في الإسلام (مالك، الشافعي، الحنفي، الحنبلي) أن نضرب عرض الحائط بما وجدناه في كلامهم يناقض القرآن الكريم. وهذا لا يجب أن يقوم به الفقهاء وحدهم، بل لابد من التعاون مع جميع أهل التخصصات في العلوم الأخرى، (علم الاجتماع، علم النفس، العلوم الإنسانية، القانون …)
أما تدخل من لا علم له، ولا شهادة له، فلا نرى مكانا لهؤلاء فيما يخص الانخراط في هذا المسار، وقد ابتلي الإسلام حقا، باقتحام طائفة من الأميين والجهلة إلى مجال الفتوى الدينية، والإدلاء بآرائهم، وأخذهم مكانة الباحثين، فلقبوا أنفسهم شيوخا، وعلماء، وهي آفة أصابت ديننا الحنيف، فما كان إلا أن شوهوه بالابتذال والسخافات والتخلف …
وهي علامة أيضا على أن مجتمعنا يحتاج إلى ترميم، في جل جوانبه الاجتماعية والمعرفية. كذلك يمكن أن نعتبر ذلك تفريطا منا، لأننا تركنا هؤلاء يغادرون المدارس منذ صباهم، من غير أن يكملوا تعليمهم، وحين لم يجدوا لهم مكانة علمية وسط المجتمع، لم يجدوا ملجأ سوى المجال الديني، فحدث ما حدث… كما أن هناك من البسطاء، أتباع الأيديولوجيات الحزبية اليسارية أو اليمينية، حدث لهم الشيء نفسه، ما حدث للمتطفلين عن الدين، وقد نجد من هؤلاء أميين، ومتوسطي المعرفة، بل وحتى أطباء ومهندسون وغيرهم، لا يفقهون في بعض المجالات شيئا، فيحشرون أنفسهم، ويلغطون …
نثير أيضا طامة أخرى دفينة، تلك التي تمثلت في بعض المسؤولين المتهورين، يحركهم الحماس والنخوة والبروز، حتى أنهم لا يفصلون بين النزاهة والإيديولوجية، التي ينتسبون إليها، بل منهم من يُعربِد بجهله، ويتناقض في أقواله، وتصريحاته، من غير أيديولوجية تذكر، حيث تزداد خطورته، حين نسند إليه قضية من قضايا الأمة.كل هذه العوائق وجب أن يجد المغاربة حلولا جذرية لها، لأنها لم تأت من فراغ، وإنما وجدت تربة خصبة لها، فنمت مثل الحشائش الضارة…
فالمغرب يسير سيرا حثيثا، ويحقق الإنجازات رغم عدم توفره على البترول والغاز، فقد ضرب المثل، في كون العقل البشري، والتأهيل الإنسان، والاعتماد على همة الشباب وتكوينه، جذير بأن يقدم المجتمعات، إذ الحضارات لم تنهض سوى بالعقول والعلوم. ولنا في تعديل مدونة الأسرة الثقة الكاملة في الكفاءات المغربية لدى جل التخصصات المساهمة من أبنائنا الأبرار، فمستقبل الأسرة المغربية بين أيديهم، بل مستقبل المغرب العزيز على قلوبنا…وما لنا إلا أن نأمل خيرا … فما اجتمعت أمتنا على ظلال …