أمل محمد أمين: لماذا تلجأ اسرائيل إلى المذابح الجماعية؟
في كل مرة يحاول طاغية أو سفاح أن يغتصب أرضا أو يغير معتقدات الناس بالقوة يلجأ إلى المجزرة والقتل الجماعي ليدخل الإرهاب في قلوب الضعفاء ويزلزل الأرض من تحت أقدامهم، فيهرب منهم من يهرب ومن يثبت على الأرض يموت أو يظل حيا لكن مع المعانة والألم..
وإذا ألقينا نظرة سريعة على التاريخ سنرى بشاعة القضاء على الآلاف البشر بل ربما يتخطى العدد المليون كما حدث في مذبحة بغداد التي وقعت على يد المغول، و مذبحة الأرمن، والإبادة الجماعية لشعب البوسنة والهرسك وحدث مثلها الكثير فكلما ضعفت الضحية وصمت المجتمع الدولي على الجريمة كلما ازداد الطاغية في فجوره وشراسته لكي يحول المشهد لصالحه خلال وقت قصير ويكتسب تأييد جماعته.
وما يحدث في فلسطين على يد أسرائيل هو مأساة من نوع مختلف فالعادة أن يقوم المحتل بقتل مجموعة كبيرة من المدنيين مرة واحدة لإرهابهم والتأثير عليهم لكي يقوموا بالنزوح أو الانصياع لكن اسرائيل عمدت إلى أسلوب جديد وهو الاعتماد على تنفيذ ممتد وممنهج لسلسلة من المذابح والمجازر على مدار عقود ابتداء من عام 1929 حتى الآن إلى درجة أنه من الصعب إحصاء تلك المذابح.
وكانت أول جريمة ارتكبتها قوات الاحتلال الغاشمة عام 1929 م عندما حدثت مظاهرات في القدس والخليل اعتراضا على وعد بلفور وهو البيان الذي أصدرته بريطانيا لتعلن عن تعاطفها مع اليهود والسماح لهم بإقامة وطن في فلسطين وبمجرد وصول الخبر إلى الفلسطينيين اندلعت المظاهرات وقامت القوات البريطانية بقتل 116 فلسطينيا أثناء محاولتها وقف تلك المظاهرات.
كانت تلك الضربة الأولى من سلسلة من الضربات وأعمال العنف التى نفذها الاحتلال الإسرائيلي ضد العرب وبطريقة وحشية عنيفة استهدفت المدنيين وبعض تلك الأهداف كان مدارس ومستشفيات ومجمعات سكنية كما حدث في مذبحة مدرسة بحر البقر، ومذبحة مصنع أبو زعبل ومذبحة صبرا وشتيلا التي استهدفت مخيم للاجئين، ومذبحة قانا التي استهدفت مقر لقوات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان واستشهد نتيجة ذلك نحو مئة من النساء والشيوخ والأطفال اللبنانيين، وأخيرا مذبحة مستشفى الأهلي المعمداني الذي استشهد فيه حوالي 500 إنسان معظمهم من الأطفال..
ومن الصعب التصديق أن قوات الاحتلال الإسرائيلية قتلت 4385 شهيد منذ بدأ عملية طوفان غزة في السابع من أكتوبر 2023 أي بمعدل 314 شهيد يوميا في تصفية واضحة ومستمرة لسكان غزة والأسوأ من هذا ان من حاول الهروب إلى الجنوب تم استهدافه أيضا وقتله.
تخيل أن تنقل لك وسائل الأعلام العربية كل يوم صور لأشلاء الأطفال والأمهات وأسر كاملة محيت تماما من الوجود، ومع ذلك فالإعلام الغربي استطاع أن يموه الحقيقة وكما فعل سحرة فرعون نقلوا إلى شعوبهم صورة الهجوم الأول الذي قامت به حماس واكتفوا بهذا وأصبح الجلاد هو الضحية وكل هذا سمح لإسرائيل في التمادي وتوسيع دائرة هجماتها، وهذا أحد أهم أسباب استمرار أي طاغية في قتل الناس بطريقة جماعية الحصول على تأييد المجموعة التي ينتمي إليها.
وإذا تعمقنا أكثر في أسباب ارتكاب البشر للمذابح نجد أن هذا له أبعاد نفسية واجتماعية معقدة تفرضها الجماعة منها تأثير الضغط الاجتماعي لقبول العنف والذي يشكل سبباً رئيسياً لشحن المجموعة والضغط على القائد للإستمرار في العنف.
ومن الأسباب الأخرى للقتل الجماعي ايديولوجية جنون العظمة وبروز قائد مؤثر (كاريزماتي) يصاب مع شدة التأييد بجنون العظمة (ميغالومانيا) أي المبالغة في وصف الإنسان لنفسه والذي يعتقد أن لديه قدرات استثنائية يستطيع ان يفهم الأمور أفضل من الآخرين بخلاف الحقيقة، وفي “كتاب الإبادة الجماعية” لمارتن شو، نجد تركيز كبير من الكاتب على الحاجة الماسة للوقاية من الإبادة الجماعية والسعي نحو تحقيق العدالة بعد وقوع مثل هذه الأحداث.
و يمثل الجزء الرئيسي من الكتاب نداء استغاثة للتحرك العاجل ودليل شامل حول الآليات المتاحة للمجتمع الدولي لوقف التوجهات الإبادية وضمان محاكمة الجناة.
أحد الموضوعات الرئيسية التي يتناولها شو هو الحاجة إلى التدخل المبكر. تُعتبر التعرف على علامات التحذير الأولى لوقوع إبادة محتملة، مثل زيادة خطاب الكراهية والتمييز المنهجي وتصاعد العنف ضد مجموعة معينة، من الأمور الحيوية.
يمكن أن يقلل التدخل المبكر والفوري من الأعمال الوحشية المحتملة، مما يوفر العديد من الأرواح في العملية. يُشدد شو على أهمية الرصد المستمر والتعاون الدولي والدبلوماسية الاحترازية لمنع تقدم الأجندات الإبادية.يُعتبر التعاون الدولي ركيزة أخرى في حوار شو. لا تستطيع دولة واحدة، بغض النظر عن قوتها، منع الإبادة بمفردها أو محاكمة من يُحركها.
الجهود التعاونية، سواء كانت من خلال الأمم المتحدة أو المنظمات الإقليمية أو التحالفات بين الدول ذات التفكير المماثل، تزيد من قوة الإجراءات الرادعة ضد الراغبين في إبادة شعب بأكمله.ولان العقاب أفضل رادع لعدم تكرار حوادث القتل الجماعي يُشدد “شو” بقوة على السعي نحو تحقيق العدالة بعد الإبادة.. ويُسلط شو الضوء على أهمية محاكمة الجناة، وليس فقط كشكل من أشكال القصاص، ولكن كرادع للمجرمين المحتملين في المستقبل.
ويُظهر إنشاء ودعم المحاكم الدولية، مثل المحكمة الجنائية الدولية، أن هؤلاء المسؤولين عن تنظيم وتنفيذ الإبادات الجماعية سيواجهون عواقب أعمالهم الوحشية.إن استمرار إسرائيل في أفعالها الإجرامية والوحشية نتيجة طبيعية لسكوت المجتمع الدولي على جرائمها وهو ما ظهر واضحا عندما قام مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة بتقطيع التقرير الذي يدينها ليعبر عن استهانته بالقانون وبهذا الصرح الضخم لكن الله فوق الجميع.