تحدِّي بطاريات السيارات الكهربائية
الشارع نيوز : عزيزة محبوب
يُزمع أن تصبح إعادة تدوير البطاريات والتقليل من استخدام المعادن النادرة ركيزتين أساسيتين في تحوُّل العالم إلى المَرْكَبات الكهربائية.
نحن على أعتاب عصر السيارات الكهربائية. ففي وقتٍ سابقٍ من العام الجاري، أعلنت شركة السيارات الأمريكية العملاقة «جنرال موتورز» General Motors أنها تسعى إلى وقف بيع موديلات السيارات المُدارة بالبنزين والديزل بحلول عام 2035. وتخطط شركة «أودي» Audi، ومقرها ألمانيا، لوقف إنتاج هذه المركبات بحلول عام 2033. وقد طرح الكثير من شركات صناعة السيارات متعددة الجنسيات الأخرى خططًا مشابهة. وعلى نحوٍ مفاجئ، بدأ إعراض شركات صناعة السيارات الكبرى عن إنتاج السيارات الكهربائية يتحول إلى اندفاع نحو تصنيع السيارات التقليدية.
إنّ تحوُّل مركبات النقل الشخصية إلى استخدام الكهرباء يشهد تسارعًا على نحوٍ لم يكن يحلم به حتى أكثر أنصار هذا الاتجاه تحمسًا قبل سنوات قلائل. وفي الكثير من البلدان، يُزمع أن تعمل أوامر رسمية حكومية على الإسراع من وتيرة هذا التغيير. وحتى بدون فرض سياسات أو لوائح تنظيمية جديدة، سوف تُمثِّل مبيعات السيارات الكهربائية نصف مبيعات سيارات الركاب الخاصة على مستوى العالم في عام 2035، وفقًا لما أعلنته شركة “بلومبيرج إن إي إف” BloombergNEF الاستشارية في لندن.
كما صرَّحت الوكالة الدولية للطاقة (IEA) في شهر مايو1الماضي أن هذه النقلة الصناعية الهائلة بمثابة “تحوُّل من نظام طاقة يتسم بكثافة استهلاكه للوقود إلى نظام طاقة كثيف في استهلاكه للمواد. ففي العقود القادمة، يُرتقَب أن تنطلق مئات الملايين من المركبات إلى الطرق، حاملة بداخلها بطاريات ضخمة (انظر “التحوُّل إلى الكهرباء”). ويتوقع أن يحتوي كل من هذه البطاريات على عشرات الكيلوجرامات من المواد التي لم تُستخرج بعد.
ويتوقع علماء المواد أن تهيمن المركبات الكهربائية على عالمنا. ولذا، يسعون لمواجهة تحديين كبيرين. أما التحدي الأول، فيتمثل في كيفية التقليل مما يُستخدَم في البطاريات من معادن نادرة أو باهظة الثمن، أو مُسبِّبة للمشكلات؛ إذ تترتب على استخراجها كُلفة بيئية واجتماعية باهظة. أما التحدي الثاني، فيتمثل في تحسين عملية إعادة تدوير البطاريات، بحيث يمكن إعادة استخدام المعادن النفيسة في بطاريات السيارات المستهلكة بكفاءة. وفي ذلك الصدد، يقول كواسي أمبوفو، أحد مهندسي التعدين، وكبير المحللين المعنيين بالفلزات والتعدين لدى شركة “بلومبيرج إن إي إف”: “ستلعب عملية إعادة التدوير دورًا محوريًّا في هذا المزيج من الإجراءات”.
وقد أخذت جهات تصنيع البطاريات والسيارات تنفق بالفعل مليارات الدولارات على تقليل تكاليف تصنيع بطاريات المركبات الكهربائية وإعادة تدويرها. ويرجع هذا في جزء منه إلى الحوافز التي تقدمها الحكومات في هذا الصدد، وتوقُّع هذه الجهات لصدور قوانين ولوائح تنظيمية جديدة. كما أسست جهات تمويل الأبحاث الوطنية مراكز، بهدف دراسة سُبُلٍ أفضل لتصنيع البطاريات وإعادة تدويرها. ونظرًا إلى أن استخراج المعادن لا يزال أقل تكلفةً من إعادة تدويرها في أغلب الأحيان، يتمثل أحد الأهداف الأساسية في هذا السياق في تطوير عملياتٍ لاستعادة المعادن النفيسة بتكلفة بسيطة إلى حد يسمح بمنافسة صناعة المعادن المستخرَجة حديثًا. وحول ذلك، يقول جيفري شبانجنبيرجر، وهو مهندس كيميائي من مختبر آرجون الوطني في ليمونت بولاية إلينوي الأمريكية، ويدير مبادرة إعادة تدوير بطاريات أيون الليثيوم، وهي مبادرة تموِّلها الحكومة الفيدرالية الأمريكية وتحمل اسم “ريسيل” ReCell: “العامل الحاسم في الأمر هو المال”.
مستقبل الليثيوم
التحدي الأول الذي يواجهه الباحثون هو تقليل كميات المعادن التي تحتاج إليها صناعة بطاريات المَركبات الكهربائية. وتتباين هذه الكميات بناءً على نوع البطارية، وموديل المركبة، لكن حِزْمة بطارية أيون الليثيوم الواحدة (من نوعٍ يُطلق عليه «NMC532») قد تحتوي على ما يقرب من 8 كيلوجرامات من الليثيوم، و35 كيلوجرامًا من النيكل، و20 كيلوجرامًا من المنجنيز، و14 كيلوجرامًا من الكوبالت، وفقًا للأرقام التي كشف عنها مختبر آرجون الوطني.
ولا يتوقع المحللون للأوضاع التخلي عن بطاريات أيون الليثيوم في وقتٍ قريب؛ إذ انخفضت تكلفتها بشدة لدرجة أنها قد تصبح التقنية المهيمنة في المستقبل المنظور؛ فهي الآن أرخص 30 مرة مما كانت عليه عندما طُرحت في السوق للمرة الأولى كبطارياتٍ صغيرة يمكن حمْلها، وذلك في أوائل تسعينيات القرن العشرين، رغم حتى تحسُّن أدائها. وتتوقع شركة «بلومبيرج إن إي إف» أن تنخفض تكلفة حِزْمة بطاريات أيون الليثيوم المخصَّصة للمركبات الكهربائية إلى ما دون 100 دولار أمريكي لكل كيلووات ساعة بحلول عام 2023، أو إلى سعر أقل بنسبة 20% تقريبًا من سعرها الحالي (انظر: “انخفاض تكاليف البطاريات”). وبناءً على ذلك، من المتوقع أن تغدو أسعار السيارات الكهربائية – التي لا تزال أغلى ثمنًا من السيارات التقليدية – معادِلة لأسعار السيارات العادية بحلول منتصف عشرينيات القرن الواحد والعشرين. (وتشير تقديرات إلى أن السيارات الكهربائية أرخص تكلفة بالفعل من المَركبات التي تعمل بالبنزين على مدار عمرها الافتراضي، بفضل كونها أقل تكلفة في تشغيلها وصيانتها).
ولإنتاج الكهرباء، تعمل بطاريات أيون الليثيوم على نقل أيونات الليثيوم داخليًّا من طبقةٍ يُطلَق عليها الأنود إلى أخرى يُطلَق عليها الكاثود. وتَفصِل بين الطبقتين طبقةٌ ثالثة، يُطلَق عليها الإلكتروليت. والقطب السالب (الكاثود) هو العامل الحاسم الأبرز في أداء البطارية، وهو الموضع الذي يحتوي على أعلى المعادن قيمةً في البطارية.
وكاثود بطارية أيون الليثيوم يتألف عادةً من طبقة رقيقة لزجة تحتوي على بلورات متناهية الصغر، غالبًا ما تشبه بِنْيتها تلك الخاصة ببلورات المعادن الموجودة بشكل طبيعي في قشرة أو دثار الأرض، مثل الزبرجد الزيتوني، والإسبينيل. وتعمل هذه البلورات على تجميع الأكسجين سالب الشحنة مع الليثيوم موجب الشحنة وفلزات أخرى متنوعة، تكون في أغلب السيارات الكهربائية مزيجًا من النيكل، والمنجنيز، والكوبالت. وإعادة شحن البطارية تؤدي إلى دفع أيونات الليثيوم خارج بلورات الأكسيد هذه، وتسحب الأيونات إلى أنود قائم على الجرافيت، حيث تُخزَّن فيه تلك الأيونات، وتُحشَر بين طبقات من ذرات كربون (انظر: “اللب الكهربائي”).
والليثيوم نفسه ليس نادرًا. فوفقًا لتقديرات تقريرٍ صادرٍ في يونيو عن شركة «بلومبيرج إن إي إف»، فإن الاحتياطي الحالي لليثيوم، الذي يبلغ 21 مليون طن، حسب ما ذكرته هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية، يكفي للمضي قدمًا في جهود التحوِّل إلى المركبات الكهربائية التي تنتهي في منتصف القرن الواحد والعشرين. والاحتياطي مفهوم مرن؛ لأنه يعبر عن كميةً من مورد ما يمكن التقصُّد في استخراجه بالأسعار الحالية، استنادًا إلى متطلبات تقنية ورقابية حالية. وفي حال أغلب المواد، إذا ارتفع معدل الطلب، يزداد الاحتياطي أيضًا في نهاية المطاف.
ويوضح أمبوفو أنه مع التحوُّل إلى السيارات الكهربائية، تكمن التحديات في زيادة إنتاج الليثيوم لتلبية الطلب، إذ يقول: “سوف يشهد إنتاجه نموًّا بمعدل سبعة أضعاف تقريبًا في الفترة ما بين عامي 2020، و2030”.
“ستلعب عملية إعادة التدوير دورًا محوريًّا في هذا المزيج من الإجراءات”.
وقد يؤدي هذا إلى نقصٍ مؤقت وتقلباتٍ كبيرة في الأسعار، على حد قول أمبوفو، بيد أن الأزمات السوقية المؤقتة لن تغير المشهد على المدى الطويل. يقول هاريش كاماث، اختصاصي تخزين الطاقة من معهد أبحاث الطاقة الكهربائية (EPRI) في مدينة بالو ألتو بولاية كاليفورنيا: “مع تنامي القدرة على معالجة الليثوم، سيزول هذا النقص على الأرجح”.3
والزيادة في عمليات التعدين لاستخراج الليثيوم تنطوي على مشكلات بيئية، فطرق استخراجه الحالية تتطلب كمياتٍ كبيرة من الطاقة (في حال الليثيوم المستخرَج من الصخور)، أو الماء (في حال الليثيوم المستخرَج من المحاليل الملحية)، غير أن ثمة أساليب أحدث، تُعَد أقل في خسائرها، يُستخرج بها الليثيوم من ماء الحَمَّة، باستخدام الطاقة الحرارية الجوفية. وبالرغم من هذه الكُلفة البيئية، سوف تساعد عمليات التعدين لاستخراج الليثيوم في التخلي عن استخراج الوقود الحفري المدمر.
وتساوِر الباحثين مخاوف مما يتعلق بالكوبالت، الذي يُعَد العنصر الأنفس في بطاريات المركبات الكهربائية الحالية، إذ يُستخرج ثلثا المعروض منه عالميًّا من جمهورية الكونغو الديمقراطية. وقد أعرب نشطاء في مجال حقوق الإنسان عن مخاوف بسبب ظروف تعدين الكوبالت هناك، لا سيما فيما يتعلق بعمالة الأطفال، والضرر الذي يلحق بصحة العمال؛ فمثل المعادن الثقيلة الأخرى، يغدو الكوبالت عنصرًا سامًّا إذا لم يتم التعامل معه بالطريقة الملائمة. ويمكن استغلال مصادر بديلة، مثل “العُقيدات” الغنية بهذا المعدن، التي توجد في قيعان البحار، لكنها مصادر تنطوي هي الأخرى على مخاطر بيئية. كما قد يحدث نقصٌ في النيكل، وهو مكونٌ آخَر رئيس من مكونات بطاريات المركبات الكهربائية3.
إدارة المعادن
في سبيل التغلب على إشكاليات المواد الخام هذه، أَجرَى عددٌ من المختبرات تجارب باستخدام الأقطاب السالبة (الكاثودات) منخفضة الكوبالت، أو الخالية منه، بيد أن مواد الكاثود يجب أن تُصمَّم بعناية، بحيث لا تتفكك بِناها البلورية، حتى إذا زال أكثر من نصف أيونات الليثيوم في أثناء شحن البطارية. والتخلي عن الكوبالت تمامًا يؤدي في أغلب الأحيان إلى خفض كثافة طاقة البطارية، على حد قول أروموجام مانثيرام من جامعة تكساس في أوستِن، إذ إن ذلك يؤدي إلى تغيير البِنْية البلورية للكاثود، والتأثير في قوة ارتباطه بالليثيوم.
يُعَد مانثيرام أحد الباحثين الذين تمكَّنوا من حل هذه المشكلة – مختبريًّا على الأقل – عن طريق إثبات أن الكوبالت يمكن استبعاده من تركيب الكاثود، دون أن يؤثر ذلك على أداء البطارية4. ويوضح مانثيرام ذلك قائلًا: “المادة الخالية من الكوبالت، التي أفدنا باكتشافها، تتمتع بالبِنْية البلورية نفسها التي يتمتع بها أكسيد ليثيوم الكوبالت، ومن ثم تتسم بكثافة الطاقة نفسها”، بل بكثافة أفضل. وقد أحرز فريقه هذا الإنجاز عن طريق ضبط الطريقة التي يُنتَج بها الكاثود، وإضافة كميات صغيرة من مواد أخرى، مع الاحتفاظ في الوقت ذاته ببِنْية أكسيد الكوبالت البلورية التي يمتاز بها الكاثود. ويرى مانثيرام أنه يجب المضي قدمًا في تبَنِّي هذا النهج في المصانع القائمة حاليًّا. وقد أسَّس شركة ناشئة تُسمى «تكسباور» TexPower، في محاولة لطرح هذا النهج في الأسواق خلال العامين المقبلين. وتعكف مختبراتٌ أخرى حول العالم على تصميم بطاريات خالية من الكوبالت. وتجدر الإشارة هنا إلى أن شركة «تسلا Tesla» – على وجه الخصوص، وهي شركة رائدة في مجال المركبات الكهربائية، ومقرها مدينة بالو ألتو بولاية كاليفورنيا – صرحت أنها تخطط للتخلي عن الكوبالت في إنتاج بطارياتها خلال الأعوام القليلة المقبلة.
أحرز متخصص آخر في علم المواد يُسمى صن يانج-كوك، من جامعة هانيانج في سول بكوريا الجنوبية، إنجازًا مشابهًا فيما يتعلق بالكاثود الخالي من الكوبالت. يقول صن إن بعض المشكلات الفنية قد تظل قائمةً عند تصميم هذا الكاثود الجديد، لأن عملية التصميم هذه تعتمد على تنقية الخامات الغنية بالنيكل، وهو ما قد يتطلب أجواء من الأكسجين النقي باهظة التكلفة، غير أن الكثير من الباحثين صاروا يعتقدون أن مشكلة الكوبالت قد حُلَّت في واقع الأمر. وحول ذلك، يقول جيف دان، عالم الكيمياء من جامعة دالهاوزي في مدينة هاليفاكس الكندية، إن مانثيرام وصن “أثبتا أننا نستطيع صنع مواد جيدة بحق، دون الكوبالت، وتلك المواد قادرةٌ على إظهار أداءٍ جيد بالفعل”.
ورغم أن النيكل ليس باهظ التكلفة مثل الكوبالت، إلا أنه ليس رخيص الثمن. ولذا، يأمل الباحثون في التخلي عنه أيضًا. من هنا، يقول جيربراند سيدر، اختصاصي علم المواد من مختبر لورانس بيركلي الوطني في مدينة بيركلي بولاية كاليفورنيا الأمريكية: “تغلبنا على مشكلة ندرة الكوبالت، ولكنْ نظرًا إلى أننا نتوسَّع بإيقاع متسارع للغاية في التحوُّل إلى السيارات الكهربائية، فإننا نتجه مباشرةً نحو مشكلة تتعلق بالنيكل”، بيد أن التخلي عن كل من الكوبالت والنيكل سيتطلب تحوُّلًا إلى بِنى بلورية مختلفة اختلافًا جذريًّا فيما يتعلق بمواد الكاثود.
يتمثل أحد الأساليب التي تتيح ذلك في الاستعانة بمواد تسمى الأملاح الصخرية غير المنتظمة. وسبب تسميتها بهذا الاسم هو بِنْيتها البلورية المُكعَّبة، التي تشبه بِنْية كلوريد الصوديوم، حيث يقوم الأكسجين مقام الكلوريد، ويحل مزيج من المعادن الثقيلة محل الصوديوم. وعلى مدار العقد الماضي، أثبت فريق سيدر وفرق بحثية أخرى وجود أملاح صخرية معينة غنية بالليثيوم، تسمح لليثيوم بالتسرب دخولًا إليها وخروجًا منها. وتلك خاصية شديدة الأهمية في إتاحة الشحن المتكرر5، إلا أن الأملاح الصخرية غير المنتظمة لا تحتاج إلى الكوبالت أو النيكل لتحتفظ باستقرار حالتها خلال هذه العملية، وذلك على العكس من مواد الكاثود التقليدية. ومن اللافت للنظر أنه من الممكن أن تُصنع هذه الأملاح من المنجنيز، وهو رخيص الثمن ووفير، على حد قول سيدر.
تحسين عملية إعادة التدوير
إذا أصبحت في الإمكان صناعة البطاريات دون استخدام الكوبالت، فسوف يواجه الباحثون عواقب ليست في الحسبان. فهذا المعدن أهم عامل يجعل إعادة تدوير البطاريات عملية اقتصادية، لأن استخراج المواد الأخرى، لا سيما الليثيوم، أقل تكلفةً في الوقت الحالي من تكلفة إعادة تدويرها.
وفي محطات إعادة التدوير الاعتيادية، تُمزَّق البطاريات أولًا، وهو ما يحوِّل خلاياها إلى مزيج على هيئة مسحوق من جميع المواد المستخدَمة. ويجري تحليل هذا المزيج بعد ذلك إلى عناصره الأساسية، إما من خلال تسييله في مصهر (بعملية تعدين حراري)، أو عن طريق إذابته في حمض (بعملية تعدين رطب). وأخيرًا، تترسب المعادن من المحلول على هيئة أملاح.
تركَّزت الجهود البحثية على تحسين هذه العملية، لجعل إعادة تدوير الليثيوم جذابة من الناحية الاقتصادية. وتُنتَج الغالبية العظمى من بطاريات أيون الليثيوم في الصين، واليابان، وكوريا الجنوبية. وبناءً عليه، تشهد قدرات إعادة تدوير هذه البطاريات بتلك الدول أسرع معدلات النمو. فعلى سبيل المثال، تمتلك شركة «جوانجدونج برنب» Guangdong Brunp – التي تتخذ من مدينة فوشان مقرًّا لها، وتُعد إحدى الشركات التابعة لشركة «كونتيمبراري أمبريكس تكنولوجي» CATL، كبرى الشركات الصينية المُصنِعة لخلايا أيون الليثيوم – القدرة على إعادة تدوير 120 ألف طن من البطاريات سنويًّا، وفقًا لما صرّح به متحدث رسمي باسم الشركة، وهو ما يعادل الكمية التي يمكن استخدامها في أكثر من 200 ألف سيارة. كما أن الشركة تمتلك القدرة على استعادة معظم الليثيوم، والكوبالت، والنيكل. وتسهم سياسات حكومية في تشجيع هذا الاتجاه، فعلى سبيل المثال، أقرت الصين بالفعل حوافز مالية وتنظيمية لشركات البطاريات التي تحصل على المواد من شركات إعادة التدوير، بدلًا من استيراد مواد مستخرَجة حديثًا، حسبما أوضح هانز إيريك ميلين، المدير الإداري لشركة «سيركيولار إنرجي ستوريدج» Circular Energy Storage، وهي شركة استشارية، مقرها لندن.
“يُستعاد أكثر من 98% من بطاريات الرصاص الحمضية، ويُعاد تدويرها”.
وقد وضعت المفوضية الأوروبية اشتراطاتٍ صارمة لإعادة تدوير البطاريات، يمكن أن تدخل حيز التنفيذ اعتبارًا من عام 2023، بالرغم من أن احتمالات تطوير الاتحاد الأوروبي لصناعة إعادة تدوير محلية غير مؤكدة6. وفي الوقت ذاته، ترغب إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في إنفاق مليارات الدولارات لدعم نشأة صناعة محلية لتصنيع بطاريات المَركبات الكهربائية، ودعم عملية إعادة تدوير هذه البطاريات، لكنها لم تطرح بعد لوائح تنظيمية بخلاف التشريع الحالي الذي يُصنِّف هذه البطاريات كنفايات خطرة يجب التخلص منها بأمان. وقد صرحت شركات ناشئة في أمريكا الشمالية بأنها تستطيع بالفعل استعادة غالبية معادن البطاريات، بما في ذلك الليثيوم، بتكلفة تنافس تكلفة استخراج تلك المعادن، بالرغم من أن المحللين يرون أن الجدوى الاقتصادية عمومًا في هذه المرحلة لا يحققها إلا الكوبالت.
وثمة نهجٌ ثوري بدرجة أكبر يتمثل في إعادة استخدام بلورات الكاثود، بدلًا من تحليل بِنْيتها، مثلما الحال في التعدين الحراري والرطب. وتشمل مبادرة «ريسيل»، وهي مشروع تعاوني برأسمال قدره 15 مليون دولار أمريكي، يديره شبانجنبيرجر، وثلاثة مختبرات وطنية، وثلاث جامعات، والكثير من الشركات المسهمة في المجال. ويعكف القائمون على هذه المبادرة حاليًّا على ابتكار تقنيات من شأنها تمكين شركات إعادة تدوير البطاريات من استخراج بلورات الكاثود، وإعادة بيعها. فبعد تمزيق البطاريات، ثمة خطوة على درجة بالغة من الأهمية، تتمثَّل في فصل مواد الكاثود عن المكونات الأخرى باستخدام الحرارة، أو مواد كيميائيةن أو أي طرق أخرى. وحول ذلك، تقول ليندا جينز، اختصاصية الكيمياء الفيزيائية من مختبر آرجون وكبيرة المحللين في مبادرة “ريسيل”: “السبب وراء تحمُّسنا الشديد للاحتفاظ بهذه البِنْية البلورية هو أن تشكيل هذه البنية تطَلَّب الكثير من الجهد والمعارف الفنية. وهي تنطوي على الكثير من الفوائد”.
يمكن استخدام أساليب إعادة المعالجة هذه مع مجموعة متنوعة من البِنَى والتراكيب البلورية، حسبما تقول جينز، إلا أنه في حال تَلَقِّى أحد مراكز إعادة التدوير فيضًا من النفايات يشتمل على أنواع عديدة من البطاريات، فسوف ينتهي الحال بأنواع شتى من مادة الكاثود في مرجل إعادة التدوير. وهذا من شأنه أن يُعقِّد جهود فصل أنواع بلورات الكاثود المختلفة عن بعضها بعضًا. وبالرغم من أن العمليات التي طوَّرتها مبادرة “ريسيل” يمكن أن تفصل النيكل، والمنجنيز، والكوبالت بسهولة من الأنواع الأخرى من خلايا البطاريات، كتلك التي تستخدم فوسفات أيون الليثيوم على سبيل المثال، يصعب على تلك العمليات فصل نوعين يحتوي كلاهما على الكوبالت والنيكل، ولكنْ بنِسبٍ مختلفة. ولهذا السبب وأسباب أخرى، سوف يكون من الضروري أن تحمل البطاريات رمزًا شريطيًّا من نوعٍ ما، بحيث تَعرِف شركات إعادة التدوير من خلاله محتويات البطاريات، حسبما يقول شبانجنبيرجر.
وثمة عائقٌ آخر محتمَل، يتمثل في أن كيمياء الكاثود تتطور باستمرار، فالكاثود الذي ستستخدمه الشركات المُصنِّعة بعد فترة تتراوح من 10 إلى 15 سنة من الآن – في نهاية دورة حياة السيارات الحالية – قد يكون مختلفًا اختلافًا كبيرًا عن الكاثود الحالي. وقد تكون أكثر الطرق كفاءةً لإخراج المواد منه هي جمْع الشركة المُصنِّعة بطارياتها في نهاية دورة حياة السيارات هذه. ويجب أن تُصمَّم البطاريات من الصفر بطريقة يسهل معها تفكيكها، حسبما قالت جينز.
ويعتقد أندرو أبوت، اختصاصي علم المواد من جامعة ليستر بالمملكة المتحدة، أن عملية إعادة التدوير سوف تكون أكثر ربحية بكثير، إذا تخلَّت عن مرحلة التمزيق، وفكَّكت الخلايا مباشرةً. وقد طوَّر هو ومعاونوه تقنية لفصل مواد الكاثود باستخدام الموجات فوق الصوتية7. يقول أبوت إن هذه الطريقة ملائمة تمامًا لخلايا البطاريات التي يتم رَصُّها بطريقة مسطحة، بدلًا من أن تكون مطوية وملفوفة (كما الحال في الخلايا “الأسطوانية” الشائعة)، ويمكن أن تجعل المواد المُعاد تدويرها أرخص ثمنًا بكثير من المعادن المستخرَجة حديثًا. ويشارك أبوت في خطة بحثية حكومية في المملكة المتحدة، يبلغ رأسمالها 14 مليون جنيه إسترليني (أي ما يعادل 19 مليون دولار أمريكي) تتعلق باستدامة البطاريات، وقد أُطلِق على تلك الخطة “ريليب” ReLiB.
زيادة حجم عمليات إعادة التدوير
بصرف النظر عن نوعية عملية إعادة التدوير التي تصبح قياسية، سوف يكون حجمها مفيدًا في هذا الصدد. فبالرغم من أن التقارير الإعلامية تميل إلى وصف الطوفان القادم من البطاريات المستهلَكة بأنه يمثل أزمة وشيكة، ينظر المحللون إلى الوضع بوصفه فرصة كبيرة، على حد قول ميلين. فما أن تبدأ ملايين البطاريات الكبيرة في الوصول إلى نهاية عمرها الافتراضي، سوف يؤدي حجم إنتاجها الكبير دوره، جاعلًا عملية إعادة التدوير أكثر كفاءةً، وجدواها التجارية أكثر جاذبية.
ويرى المحللون أن بطاريات الرصاص الحمضية – تلك التي تُستخدم في السيارات التي تعمل بالبنزين – تُعَد مثالًا يدعو إلى التفاؤل. فنظرًا إلى أن الرصاص عنصرٌ سام، تُصنَّف تلك البطاريات على أنها نفايات خطرة، يتعين التخلص منها بأمان، بيد أن صناعةً تتسم بالكفاءة تطوَّرت لإعادة تدوير تلك البطاريات، عوضًا عن ذلك، حتى بالرغم من أن الرصاص رخيص الثمن. وتعقيبًا على ذلك، يقول كاماث: “يُستعاد أكثر من 98% من بطاريات الرصاص الحمضية، ويُعاد تدويرها”. ويقول ميلين: “صحيحٌ أن قيمة بطارية الرصاص الحمضية أقل حتى من بطارية أيون الليثيوم، إلا أنه استنادًا إلى الكميات الكبيرة منها، تُعَدّ إعادة تصنيعها على أية حال إجراء منطقيًّا”.
قد تستغرق أسواق إعادة تدوير بطاريات أيون الليثيوم بعض الوقت لتصل إلى أقصى حجم لها، ويرجع ذلك – في جزء منه – إلى أن هذه البطاريات أضحت معمرة على نحوٍ استثنائي، فقد تمتد صلاحية بطاريات السيارات الحالية لفترة تصل إلى 20 عامًا، على حد قول كاماث. وفي السيارات الكهربائية التي تُباع اليوم، يتجاوز عادةً عُمْر حِزْمة البطارية عمر المركبة التي جرى تثبيتها فيها، حسبما يقول ميلين.
يعني هذا أنه عند إرسال المَركبات الكهربائية القديمة إلى نفايات التصنيع، غالبًا لا يجري التخلَص من البطاريات، ولا يُعاد تدويرها. وبدلًا من ذلك، تُفكَّك البطاريات، ويُعاد استخدامها في تطبيقات أبسط، مثل تخزين الطاقة الثابت، أو تشغيل القوارب. فبعد مُضي 10 سنوات على استخدام بطارية سيارة – مثل بطارية السيارة الكهربائية “نيسان ليف”، التي تبلغ طاقتها 50 كيلووات ساعة – ستكون قد فَقَدت 20% من سعتها على أقصى تقدير.
وقد صدر تقريرٌ آخر في شهر مايو عن الوكالة الدولية للطاقة، وهي منظمة عُهد عنها توقعاتها الحذرة على مدار تاريخها. اشتمل التقرير المشار إليه على خريطة طريقٍ8 لخفض صافي انبعاثات الدفيئة عالميًّا إلى الصفر بحلول منتصف القرن الواحد والعشرين. وتتضمَّن هذه الخريطة التحوُّل إلى النقل الكهربائي، بوصفه ركيزة أساسية لخطتها. والثقة في أن هذا الهدف قابل للتحقيق تعكس اتفاقًا متناميًا بين صانعي السياسات، والباحثين، والشركات المُصنِّعة على أنه أصبح من الممكن الآن التغلب تمامًا على تحديات التحوُّل إلى السيارات الكهربائية، وأنه إذا كنا نريد أن نحتفظ ببصيص أمل في الإبقاء على التغيُّر المناخي قيد السيطرة، فلا وقت أمامنا لنُضيِّعه، غير أن بعض الباحثين يشكون من أن المركبات الكهربائية مُلزَمة – على ما يبدو – بتحقيق مستوى يستحيل بلوغه فيما يتعلق بالتأثير البيئي لبطارياتها. وتعقيبًا على ذلك، يقول كاماث: “سوف يكون من المؤسف ومن غير المُجْدِي التخلي عن حل جيد بالإصرار على حل مثالي. وهذا لا يعني، بطبيعة الحال، أننا لسنا بحاجةٍ إلى بذل قصارى جهودنا من أجل التعامل مع مسألة التخلص من البطاريات”.