من تاريخ المغرب : معركة وادي المخازن التي قضى فيها المغاربة على جيش البرتغال
الشارع نيوز : محمد مرابط
عبر جيش سيباستيان إلى العدوة المغربية من البحر المتوسط، يوم 9 حزيران/يوليو 1578، قوامه حسب صاحب “تاريخ الدولة السعدية التكمدارتية” ستين ألف جندي وفارس، فيما حددته الدراسات التاريخية المتأخرة بـ28 ألف جندي مكونين أساساً من جنود برتغاليين إضافة إلى الإسبان، إضافة إلى مرتزقة إيطاليين وألمان، وجنود الفاتيكان في 1500 مقاتل، إضافة إلى المتوكل وصحبه. وحطوا بطنجة، وبعدها أخذوا يعيثون في البلاد تقتيلًا ويتقدمون محتلين مدينة تلو أخرى.
أمام هذا الواقع راسل عبد الملك سيباستيان قائلًا: “إن سطوتك قد ظهرت في خروجك من أرضك وجوازك البحر إلى عدوة المسلمين، فإن ثبت في الساحل إلى أن أتقدم عليك فأنت نصراني حقيقي شجاع، وإن زحفت إلى البلاد وحقرت بعد الرعية قبل أن يقابلك أمير مثلك فأنت كلب ابن كلب”، . استشاط سيباستيان غضباً وركب عناده في قبول تحدي الأمير، مع تحذيرات قادته بضرورة التقدم والسيطرة على مواقع استراتيجية.
علم حين ذاك عبد الملك أن صاحبه غر، وسهل استدراجه من خلال إثارة عناده، فراسله مرة أخرى قائلًا: “إني جئتك راحلًا من مراكش ست عشرة مرحلة، وأنت لم تدنُ إليّ ولا مرحلة”. وقد كانت حركة استدراج ناجحة من سلطان المغرب، إذ نزل وفقاً للتحدي ملك البرتغال عن تحصيناته عابراً وادي المخازن (قرب مدينة القصر الكبير شمالي المغرب حالياً)، وكان وادياً شاهق الجراف ثائر المياه على طول السنة. وفي الليل حمل السلطان المغربي أخاه أحمد المنصور على قيادة فرقة مسلحة بالمعاول والفؤوس لهدم القنطرة الوحيدة التي عبر منها جيش سيباستيان.
في صبيحة 4 أغسطس/آب 1578، وجد البرتغاليون ومعهم المتوكل أنفسهم محاصَرين، أمامهم جيش يضمّ قبائل المغرب أكثرها بمعونة من فرقة عثمانية، ووراءهم هوة الوادي السحيقة. وسرعان ما بدأ القتال، وبدأت معه الكماشة التي وضعهم فيها عبد الملك بالانغلاق، فلم يدَعْ لهم خياراً إلا بين الموت والموت: قتلًا برماح المغاربة وسيوفهم، أو سحقاً وغرقاً من فوق أجراف الوادي. فدارت بين الفريقين أهوال القتال، وشاءت الأقدار أن يتوفى الله السلطان عبد الملك من شدة المرض، فأخفى حاجبه الخبر لألّا يثبّط عزيمة باقي الجنود.
إلى أن آن الانتصار باندحار جيش المحتلّ بعدما قُتل ملكهم سيباستيان مع المتوكل الذي استنصره. إثر ذاك أشاع الحاجب في وهدة النصر خبر المصاب الجلل، فركنت الجند إلى مبايعة أحمد المنصور ملكاً للبلاد ومعهم القبائل كلها، معلنين بداية عهد ازدهار لم يعرف المغرب له مثيلاً، ففي عهد المنصور بلغ المغرب أقصى لحظات توسعه الجغرافي، ببلوغه حد غينيا الحالية جنوباً، وشرقاً ضمّ أراضي من النيجر والتشاد، كما كثر الذهب في خزائن الدولة المغربية في عهده، فلُقّب بـ”السلطان أحمد المنصور الذهبي..
-الدولة السعدية باللون البرتقالي.