لماذا يبدع العرب خارج أوطانهم؟؟
مصطفى فاكر
كثيرا ما نتساءل عن أسباب إبداع العرب و توفقهم في الدول الغربية من أولئك العاملين داخل أوطانهم.يعزو البعض ذلك إلى الإستبداد و فقدان حرية العمل و الكلمة، و البعض الآخر يعتقد بأن التخلف و العادات الإجتماعية هي السبب وراء هذه الظاهرة. و لكنهم ينسون أهمية النظام المتماسك و التنظيم العلمي لمؤسسات الدولة و المجتمع.
إننا في البلدان العربية نفتقد النظام و التنظيم في حياتنا و أعمالنا، و قد تبث علميا أن التفوق و الإبداع لا يتعلق بالموهبة فقط، بل إن هناك عوامل أخرى لا تقل أهمية عن النبوغ الفردي،وقد ركز الباحثون على الدور المهم الذي تلعبه التأثيرات الإجتماعية و التنظيمية التي يمكن أن تسهل أو تحد من الإنجاز الإبداعي للأفراد. فالتنظيم العلمي الرصين لمؤسسات الدولة و المنظمات الإجتماعية و هيئات البحث يعد من أولويات العمل الإبداعي على المستويين الجماعي و الفردي، حيث يعمل كل شخص وفق مهام محددة ضمن حلقات مترابطة من العمل الجماعي.
وهذا الشكل من التنظيم يوفر الحوافز اللازمة للخلق و الإبداع من خلال الإلتزام التام بتعليمات و ضوابط العمل، و لذلك فإن النظام الدقيق المبني على أسس علمية هو الذي يخلق أجواء التفوق و الإبداع. إن الإرتباط بمؤسسة رصينة يعطي الشعور بالثقة و التفوق و بالتالي النجاح الفردي و الجماعي، و عليه فإن التنظيم الجيد المبني على وصف دقيق للوظائف هو أساس التميز و الابداع. لقد أصبحت الإختراعات و الإبتكارات الفردية و الجماعية الثروة الحقيقية لعالم اليوم، و هي أساس التقدم و التطور.
ولذلك نجد اتساع الفجوة الحضارية بين الدول المتقدمة و العالم العربي، و يتضح ذلك من خلال مؤشر الإبتكار العالمي الذي ينشره المعهد الأوروبي لإدارة الأعمال، و المنظمة العالمية للملكية الفكرية، و فيما عدا دولة الإمارات العربية التي حلت في المرتبة 38عالميا و الأولى عربيا على الترتيب العام لهذا المؤشر، نجد المغرب في الرتبة72عالميا في حين تتذيل كل من العراق و السودان و اليمن قائمة الترتيب.إضافة إلى ما ذكرناه من غياب التنظيم العلمي الرصين، فإن ما نشاهده الآن من التسلط الديني و التطرف و فقدان الحرية و الإستقرار في العالم العربي قد تسبب بهجرة الكثير من المبدعين العرب، حيث أصبحت البيئة العربية الحالية طاردة للمبدعين و المبتكرين العرب.
إن طريق التغلب على هذا المأزق يحتاج إلى جهود جماعية مكثفة لنزع ثياب التخلف و ما يرافقها من التعصب المبني على الجهل المطبق و التغيير الكبير في سلوك الإنسان العربي الحالي. و إن هذه المهمةالتي تبدو صعبة المنال يمكن تحقيقها إذا ما علمنا بأن الإنسان العربي قادر على التنمية و الإرتقاء، و له تاريخ طويل من الحضارة و الإبداع، و هو بحاجة فقط إلى النهج التنويري العقلاني لإحداث نقلة نوعية لتجاوز الأفكار القبلية الموروثة و المسؤولة عن التخلف، وصولا إلى الإصلاح الشامل على المستوى الفكري و الثقافي و العلمي.