ذكرى عيد العرش المجيد:مسيرة النماء و التطور و الإرتقاء الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي نحو بناء المغرب الحداثي
مصطفى فاكر
تأتي ذكرى عيد العرش المجيد23لهذه السنة في ظل ظرفية عالمية خاصة تميزت بالحرب المفتوحة بين الدول الغربية و روسيا، وفي ظل ارتفاع صاروخي للمحروقات و ارتفاع معدلات التضخم، إلا أن سفينة المغرب و كعادته تبحر بهدوء تام نحو شاطئ الأمان، و يشق طريقه نحو البناء و التنمية.
فعلى مدى 23سنة من حكم الملك محمد السادس، استطاع المغرب أن يجتاز بنجاح جميع المحطات الصعبة و يتمكن من فتح ملفات كبرى و حارقة، و نجح بامتياز و بشهادة الجميع العقبة الكؤودة لسنة 2011حيث ضمن الإستقرار السياسي و الأمني و ذلك بتعديل الدستور سنة 2011.23سنة من التدبير الملكي المحكم و الهادف بدأ بتصفية تركة الماضي عبر إقرار مخرجات هيئة الإنصاف و المصالحة، ثم تعزز بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي كانت رافعة إجتماعية حقيقية، و راكمت الكثير من النجاحات في مجال خلق فرص الشغل، و رفع شظف العيش عن الطبقات الاجتماعية الهشة، هذه و أخرى كلها محطات تلخص أبعاد الرؤية الملكية الثاقبة للمغرب الذي نريد، حيث وضعت أسسا إجتماعية و حقوقية و سياسية، قبل أن تعمد في إطلاق الورش الإقتصادي الكبير الذي راهن على تنويع أنشطة الإقتصاد الوطني، و إخراجه من الارتهان الفلاحي إلى مجال الصناعة و الخدمات.إنها رؤية ملكية سديدة إخترقت السنوات الأولى من الألفية الثالثة لتتنبأ بانتظارات المغاربة بعد 20عاما.
وكان أول التحدي في المجال الإقتصادي، و الذي كان يعتبره البعض ضربا من الخيال العلمي، مشروع بناء ميناء طنجة المتوسط سنة 2020 بغلاف مالي ضخم، بل منهم من اعتبره مجازفة و مخاطرة مالية حقيقية سيئة العواقب، و ما كادت السنوات الأولى من بدء تشغيل هذا الميناء تمر حتى اتضح عمق الرؤية الملكية التي حولت طنجة و ما حولهاالى قطب اقتصادي و صناعي عالمي هائل ينافس أكبر الموانئ العالمية، و يستقطب أكبر المقاولات الدولية المختصة في تصنيع السيارات و قطع الغيار. لقد مثل هذا الورش الكبير في الحقيقة صلب الإرادة الملكية التي تريد أن تنقل الإقتصاد الوطني من الإعتماد الكلي على تصدير المواد الخام إلى إقتصاد منتج يقدم القيمة المضافة المذرة للعملة الصعبة.ولم تهدأ التجربة أو تكاد ترتكن إلى ذاتها، حتى تحولت بفضل الرؤية الملكية إلى روافد هامة للنمو الإقتصادي و الحركية السياحية و التجارية، حيث تم ربط طنجة بالدار البيضاء عبر الخط السككي فائق السرعة البراق TGV.
لقد كان حلما يراود المغاربة فأصبح واقعا ملموسا يحسه و حقيقة واضحة منذ البداية تراهن على تأهيل المغرب و تطوير بنياته التحتية ليواكب التقدم الذي تعرفه بلدان العالم في مجال المواصلات و يساهم في دينامية استقطاب الاستثمارات و السياح إلى هذين القطبين الحضريين الكبيرين.
الأوراش الملكية و الرؤية الثاقبة لم تقتصر على شمال المغرب فحسب، بل تعدته و تجاوزت لتشمل الأقاليم الجنوبية و الوسطى للمملكة، حيث تعيش على نفس إيقاع التنمية و انطلقت أشغال ورش الإقتصاد الأطلسي للمغرب الذي سيمثل واجهة من واجهات التكامل و الإشعاع القاري و الدولي و سيكون في قلبها مشروع ضخم بحجم ميناء طنجة و يتعلق الأمر هذه المرة ببناء ميناء الداخلة الأطلسي، حيث فتح آفاقا واعدة و هامة أمام تطوير إقتصاد بحري منتج يساهم في خلق الثروة بالأقاليم الجنوبية، إنها مشاريع متكاملة بين الشمال و الجنوب، و لاستكمال هذه المنشآت الهامة بعضها ببعض، يشرع المغرب اليوم في إطلاق الدراسة الخاصة بتمديد خط القطار الفائق السرعة في إتجاه مدينة أكادير التي يعتبرها الملك محمد السادس الوسط الحقيقي للمملكة المغربية.
إن انتشار أوراش و برامج التنمية الإقتصادية و الصناعية اليوم على إمتداد خارطة المغرب يعكس هذه الرؤية الملكية الثاقبة التي تبلورت في بداية الألفية الثالثة، و راهنت على تدبير مقدرات المغرب من أجل خلق دينامية جديدة في بلدنا الذي لا يعد أصلا من البلدان التي تمتلك موارد طبيعية ريعية هائلة كالنفط و الغاز.
وعلى الرغم من غياب هذه الموارد فإن النجاحات التي تم تحقيقها تبدو هائلة في مجالات اقتصادية أصبح المغرب رائدا فيها كصناعة السيارات وقطع غيار الطائرات، و كذا في قطاع الطاقة كما هو الحال بالنسبة لإنتاج الطاقة الشمسية.
وحتى يكتمل عقد المنجزات الإقتصادية قام جلالته بتحصين المكاسب الإجتماعية، حيث حرص جلالته على إطلاق ورش إجتماعي ضخم وهو أكبر ورش منذ الإستقلال، و يتعلق الأمر بورش تعميم التغطية الصحية و الحماية الاجتماعية.
فبعد تداعيات جائحة كورونا و ما خلفته من تراكمات سلبية على مستوى التغطية الصحية لفئة عريضة من السكان، تفاعل البعد الملكي بشكل سريع وفعال ليقدم أجوبة جذرية و نهائية ستساعد 20مليون مغربي من الإستفادة من أنظمة الرعاية الصحية المجانية و نظام الحماية الإجتماعية للفئات المهنية أو الفئات الإجتماعية الهشة الفقيرة، وهو ورش ستخصص له ميزانية سنوية تقدر ب51مليار درهم في أفق 2025.
إنه مغرب الأوراش المفتوحة منذ 1999التي انطلقت بشكل متواز لتغطي الإختلافات و تستجيب لتطلعات المغاربة في شتى المجالات الإقتصادية و الإجتماعية و الحقوقية، و تؤهل بلدنا كي يكون من أكثر بلدان المنطقة و القارة الإفريقية استقطاب الإستثمارات و جاذبية لرؤوس الأموال و المشاريع الكبرى.