المواطن المنثور في زمن العبور

المواطن المنثور في زمن العبور

مصطفى فاكر


في زمن الصراخ و العويل و الإندفاع و إظهار العضلات في الوقفات و السب و القذف و الحلف بأغلظ الأيمان و إحراق الذات الإنسانية بدون مسوغ شرعي، لأن الله حرم قتل النفس إلا بالحق و نهى الإنسان عن إلقاء نفسه إلى التهلكة، تبقى فئة عريضة من الناس تلتزم الصمت و تفضل عدم الصراخ رغم أنها تئن و تتوجع دون البوح.
إن من يعتقد أن الخروج إلى الشارع و تخريب ممتلكات الغير و عرقلة المرور و التجمهر و تجميع الناس حوله هي الوسيلة الفضلى و النموذج الأنسب لإحداث التغيير و التعبير عن الذل و المهانة فهو مخطئ و يرتكب خطأ فادحا من يظن أنه الوحيد في هذه الأرض الذي يعاني الظلم و الويلات.
لكن الطامة الكبرى على من تبيح له نفسه بأن يصنف الآخر جبانا و حقيرا و عياشا و تافها لمجرد أنه لم يشاركه في فعله و حماقته. وهنا أود أن أطرح سؤالا على الذين يتشدقون بالتغيير، ما الفرق بيننا و بينكم؟. في الواقع لا فرق بين المغاربة فكلهم من وطن واحد يأكلون من نعمه و يشربون من ماءه و يستظلون تحت سماءه، فقط يختلفون في تقديرهم للمواقف و نظرتهم لحل المشاكل كل حسب طريقته و منطقه.
إننا جميعا توحدنا راية المغرب و نحتكم إلى دستوره و ولاءنا هو دائما و أبدا :الله الوطن الملك. ثلاثية لا يزيع عنها إلا هالك.
إن الذي ينعت الآخر بالعياشة وهو بالشجاع الصنديد و يروج لأطروحة غريبة عنا و يرفع راية غير علم بلادي فهو الذي به عمى فكري وصمم منهجي، وهو بذلك يستفز كل المكونات المغربية، لأنه يعيش بينهم و يتنكر لهم.
ألم يكافح و يناضل المغاربة جميعهم من طنجة إلى الكويرة من أجل طرد المستعمر و المطالبة بالإستقلال؟ ألم يناضل المغاربة كلهم من داخل مختلف المدن المغربية من أجل محاربة الظلم و الإستبداد؟ ألم نساند بعضنا البعض عبر السنين و في الشدائد و المهن سنوات الرصاص:1962/1979/1981/وهلم جرا و كلما اشتد الخطب و عظم الكرب في سنوات الجفاف و الكوارث الطبيعية، ألم نجعل اليد في اليد معلنين تضامننا المطلق في وجه الإرهاب و ضد كل من يهدد استقرار بلدنا. فلماذا بالضبط تعطون الفرصة للمتربصين و الحاسدين و الماكرين على المغرب بأن يوهموننا و يوقعوا بيننا و يتصيدون العواتر ليرموننا إلى مستنقع ورم خبيث.؟!
إنه من العار أن تشعر أخاك بعد مرور كل هذه الأعوام والسنين بأنك تنحدر من أم غير أمك التي أنجبتك و أحسنت تربيتكما و تتنكر لمن أرضعتك لبنها، إنه من المستفز فعلا أن تشكك في رجولة أبناء وطنك، إنه من الشماتة أن تعطي لنفسك دور الريادة و القيادة و تظن أن الآخر مجرد كومبارس لا رأي له ولا دور له.
إن لكل أبناء المغرب حقوق وجب التمتع بها و عليهم واجبات ينبغي القيام بها لكي ننعم بالسلم و السلام و نتمتع بالأمن و الأمان. أمنياتنا أن تحقق كل قرية و مدينة أمانيها من التمدن و التقدم و الإزدهار في العيش الكريم و الحرية و العدالة الإجتماعية.
إن المشكل الأساسي ليس في المطالبة بتحسين الأوضاع الإجتماعية و الإقتصادية للمواطنين و لكن المشكل أكبر من ذلك، هو أننا نشكك في مواطنة بعضنا البعض، إذ سرعان ما نطلق إتهامات مجانية ذات اليمين و ذات اليسار في حين أننا جميعا نئن و نتألم و نتضرع، لكن لكل واحد منا رؤيته للتغيير و منهجه في الإصلاح… فلو اطلعت على أحوالنا و ما يعانيه أبناؤنا لوليت منهم فرارا و لأخذتك بهم الشفقة و الرأفة من فرط الإهمال و التهميش… لكن هذا لن يزيدنا إلا إصرارا و عنادا بالتغليب المصلحة العامة على المصلحة الذاتية و اعتبار السلم و الأمان أسمى الأماني و بهما يتحقق كل شيء.
يجب أخذ العبرة من الشعوب التي هي بجوارنا و التي ضاعت لمجرد أنها نزلت تطالب بحقوقها فاستغلتها شرذمة قليلة و حولت هذه المطالب إلى تمرد ثم إلى نزاع فحرب.
نعم، لك الحق و لي الحق و لنا جميعا الحق في المطالبة بحقوقنا لكن بذكاء أكبر و وعي و بصيرة و بنضج إجتماعي كفيل بتحقيق المصالح و المحافظة على النظام العام و الأمن.

شاهد أيضاً

عذرا أبريل أنت لست كذابا

عذرا أبريل أنت لست كذابا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الأخبار